سلسلة فوائد

من خلال

البحث والمطالعة ( 2 )

لفضيلة الشيخ علي بن أحمد الرازحي حفظه الله تعالى

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?

Reload Reload document
| Open Open in new tab

انفر هنا للتحميل [1.16 MB]

فائدة رقم١٠١: النكاح بنية الطلاق عند الحاجة

قال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ :

صدرت فتوى من اللجنة الدائمة وأنا رئيسها بجواز النكاح بنية الطلاق إذا كان ذلك بين العبدِ وربه، إذا تزوج في بلاد غربية ونيته أنه متى انتهى من دراسته، أو من كونه موظفًا وما أشبه ذلك أن يطلق فلا بأس بهذا عند جمهور العلماء، وهذه النية تكون بينه وبين الله سبحانه، وليس شرطًا، وكونه تزوجها على سنة الله ورسوله ولكن في قلبه أنه متى انتهى من البلد سوف يطلقها، فهذا لا يضره وهذه النية قد تتغير وليست معلومة وليست شرطًا…

وهذا من أسباب عفته عن الزنا والفواحش…

و الأحوط ترك النية المذكورة، وأن يتزوجها بنية إمساكها إن رغب فيها.

( مجلةالدعوة:3/822)

(مجلة الدعوة :3/522).

وهذا يكون عند تعذر وجود الزوجة، وخشية مواقعة الزنى، وﻻ يكون محددًا بينهما بفترة، وإنما يعقد النية في نفسه.

أما إذا حدد الزواج معها بفترة فإنه يكون من المتعة وهي محرمة في دين الإسلام.

والأحوط كما ذكر الشيخ أن يتزوج وﻻ ينوي الفراق ولعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا .

وبالله التوفيق.

فائدة رقم١٠٢: فائدة نفيسة يغفل عنها كثير من المشتغلين بالتخريج والحكم على الأسانيد

محمد بن عجلان كلام أهل العلم حوله كثير، في نقدي : أنه في أدنى مراتب التوثيق.

وأقل مرتبة له عند أهل النقد: أنه صدوق يحسن حديثه.

ويغتر بهذا كثير من المشتغلين بهذا الشأن، فيحسنون له كل أحاديثه، أو يصححونها.

ولكن النقاد ومنهم النسائي نصوا: على ضعفه فيما يرويه عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة، أو عن سعيد، عن أبي هريرة، لعدم تمييزه وضبطه لهذا السند، مع أسانيد أخرى فيها بعض المبهمين.

قال النسائي منبهًا على هذا عقب رواية له من هذا الباب في كتابه (عمل اليوم والليلة) (92):

(ﻭاﺑﻦ ﻋﺠﻼﻥ) اﺧﺘﻠﻄﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﺳﻌﻴﺪ اﻟﻤﻘﺒﺮﻱ :

  1. ﻣﺎ ﺭﻭاﻩ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ.
  2. ﻭﺳﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺃﺧﻴﻪ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ.

ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻦ ﻣﺸﺎﻳﺦ ﺳﻌﻴﺪ.

فجعلها ابن عجلان ﻛﻠﻬﺎ: ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ.

ﻭاﺑﻦ ﻋﺠﻼﻥ ﺛﻘﺔ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ.

وقد نبه على هذه الفائدة الحافظ ابن رجب في (شرح العلل) ونقل كلام بعض أهل العلم في ذلك، ولم يذكر كلام النسائي هذا فليضف.

وبالله التوفيق.

 

فائدة رقم١٠٣ : العالم الذي يدعى كبيرًا في ملكوت السموات

قال الترمذي في جامعه (2880):

ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﻤﺎﺭ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﺣﺮﻳﺚ اﻟﺨﺰاﻋﻲ، ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﻔﻀﻴﻞ ﺑﻦ ﻋﻴﺎﺽ، ﻳﻘﻮﻝ: ( ﻋﺎﻟﻢ ﻋﺎﻣﻞ ﻣﻌﻠﻢ ﻳﺪﻋﻰ ﻛﺒﻴﺮًا ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺕ اﻟﺴﻤﻮاﺕ ).

سنده صحيح.

هذا العالم هو الذي نفعه الله بعلمه ونفع به، وﻻ يتم هذا لأحد من حملة العلم إلا إذا كان مخلصًا صادقًا في تعلمه وتعليمه.

وفي هذا زجر لمن تعلم العلم ثم انصرف عن تعليمه والدعوة إليه، فلا ينتفع به في درس وﻻ خطبة وﻻ نصيحة.

فيفقد الناس النفع به، ويفقد الإنتفاع بنفسه، وهذا حرمان عظيم، لعل سببه دسائس في النفوس ﻻ يعلمها إلا الله.

فليحذر طالب العلم، ﻻ يكن من هذا الصنف وإن قل علمه، بل يواصل في التعليم ونشر العلم، وكفاه فخرًا أنه آخذ بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (بلغوا عني ولو آية).

نسأل الله أن يسلمنا ويعافينا ويرزقنا الإخلاص فيما نبدأ فيه ونذكر وأن ينفعنا وينفع بنا.

 

فائدة رقم١٠٤: السنة في مصافحة الداخل على الجماعة في مجلس واحد

قال الشيخ العلامة ابن عثيمين في (الشرح الممتع) (12/366-367):

ﻗﻮﻟﻪ: « ﻭﺇﺫا ﺷﺮﺏ ﻧﺎﻭﻟﻪ اﻷﻳﻤﻦ » اﻗﺘﺪاء ﺑﺎﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢـ، ﻭﻫﺬا ﺇﺫا ﻛﺎﻥ اﻹﻧﺎء ﻭاﺣﺪًا، ﺃﻣﺎ ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻜﻞ ﻭاﺣﺪ ﺇﻧﺎء، ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻭاﺿﺢ.

ﻭﻟﻜﻦ ﺇﺫا ﺩﺧﻞ اﻟﺴﺎﻗﻲ ﺑﻤﻦ ﻳﺒﺪﺃ؟

ﻫﻞ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﺃﻭﻝ ﻣﺎ ﻳﺪﺧﻞ، ﺃﻭ ﺑﺎﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﻣﻪ؟

ﻧﻘﻮﻝ: ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻷﻛﺒﺮ ﻛﻤﺎ ﺟﺎءت ﺑﻪ اﻟﺴﻨﺔ، ﻭﻻ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﻤﻦ ﻫﻮ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻣﻦ ﻋﻨﺪ الباب، ﻭﺑﻪ ﻧﻌﺮف:

ﺃﻥ ﻣﺎ ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺎ ﺇﺫا ﺧﻞ ﺻﺎﻓﺢ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻠﺲ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ اﺣﺪ ﻋﻦ اﻟﻴﻤﻴﻦ ﻟﻰ ﺧﺮ اﺣﺪ ﻋﻦ اﻟﻴﺴﺎ، ﺃﻥ ﻫﺬا ﻟﻴﺲ ﻣﻦ اﻟﺴﻨﺔ، ﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻤﺮﻭﺭ ﺑﺎﻟﻨﺎ ﻣﺼﺎﻓﺤﺘﻬﻢ، ﻻ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ ﻧﻪ ﻳﺒﺪ ﻣﻦ ﺟﻬﺔ اﻟﻴﻤﻴﻦ اﻟﺬ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﺎ، ﻫﻮ ﺻﻐﺮ اﻟﻘﻮ.

ﺃﻣﺎ اﻷﻭﻝ: ﻓﻤﻦ اﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﺃﻥ اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﻛﺎﻥ ﺇﺫا ﺩﺧﻞ ﺟﻠﺲ ﺣﻴﺚ ﻳﻨﺘﻬﻲ ﺑﻪ اﻟﻤﺠﻠﺲ، ﻭﻻ ﻳﻤﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﺴﻠﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ.

ﻭﺃﻣﺎ اﻟﺜﺎﻧﻲ: ﻓﻸﻥ اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﻣﺴﻮاﻙ ﻳﺘﺴﻮﻙ ﺑﻪ، ﻓﺄﺭاﺩ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻭﻟﻪ اﻷﺻﻐﺮ، ﻓﻘﻴﻞ ﻟﻪ: ﻛﺒﺮ، ﻓﺄﻋﻄﺎﻩ اﻷﻛﺒﺮ.

ﻭﻋﻠﻰ ﻫﺬا : ﻓﺈﺫا ﻛﺎﻥ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻘﺒﻼً ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﺒﺪﺃ ﺑﺎﻷﻛﺒﺮ، ﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﺑﻴﺪﻩ  ﺇﻧﺎء ﻭﺃﺭاﺩ ﺃﻥ ﻳﻨﺎﻭﻟﻪ ﻓﻴﺒﺪﺃ ﺑﺎﻟﻴﻤﻴﻦ، ﻓﺈﺫا ﻛﺎﻥ ﻋﻦ ﻳﻤﻴﻨﻪ ﻭاﺣﺪ، ﻭﻋﻦ ﻳﺴﺎﺭﻩ ﻭاﺣﺪ ﻓﻴﻌﻄﻲ اﻷﻳﻤﻦ. انتهى.

أقول:

بالنسبة للمصافحة فالذي يظهر : أن عمومات الأدلة الدالة على المصافحة وما فيها من الأجر يشملها، ولكل مقام مقال.

فإذا كانت العادة مطردة عند الناس بأن الداخل يصافح من في المجلس صافح وله أجره، ﻻ سيما القادم من مكان بعيد.

وإذا كانت عادت الناس إلقاء السلام باللفظ والجلوس حيث هو، أو كان الموقف غير صالح للمصافحة؛ لكثرة الناس، ونحو ذلك من الأسباب جلس.

وفي كلا الحالتين ليس مخالفًا للسنة والله أعلم.

فائدة رقم١٠٥: حكم صلاة المرأة بالبنطال

ماحكم صلاة المرأة في منزلها بما يسمى بالبجامة وهي عبارة عن بنطال وفنيلة من غير غطاء يشمل جميع البدن؟

قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في “لقاءات الباب المفتوح” [شريط رقم: 225] :

الجواب :

(أنا لا أرى جواز البنطال لا في الصلاة ولا خارج الصلاة إذا لا تصلي، ومن قال من العلماء: إن من صلى في ثوب محرم عليه فصلاته باطلة فتكون صلاتها باطلة).

هذه فتوى الشيخ بالنسبة للبس المرأة للبنطال وصلاتها فيه.

وبالنسبة للرجل فله في حكم لبسه للبنطال فتوى بالجواز.

والصحيح:

في حكم لبس الرجل البنطال المنع إلا إذا كان له قميص يغطي المعقدة ونحوها، كلبس الأطباء  واللباس الأفغاني، ونحو ذلك.

أما الصلاة فيه :

فإن كان يظهر بعض العورة أثناء الركوع أو النزول أو السجود، فالصلاة باطلة قولًا واحد.

وإن كان ساترًا للعورة ﻻ تظهر مباشرة وإنما غاية ما فيه أنه يحجمها فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال : الأول: الجواز من غير كراهة.

الثاني :البطلان .

الثالث: تصح الصلاة فيه مع الكراهة وهذا قول طائفة من أهل العلم ومنهم شيخنا مقبل ـ رحمه الله ـ.

وقد بسطت القول في البنطال والمسائل المتعلقة به في مجلد لطيف باسم “القسطاس في حكم لبس البنطلون والتشبه بالكفار في اللباس”، طبع في مصر.

فائدة رقم١٠٦ : باب الزجر عن ذكر الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بسوء

قال الحافظ في المطالب العالية (4172):

قال إسحاق: أخبرنا زكريا بن عدي، عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة، عن خيثمة قال: كان سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ في نفر فذكروا عليًّا ـ رضي الله عنه ـ فشتموه، فقال سعد ـ رضي الله عنه ـ مهلًا عن أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنا أصبنا ذنبًا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأنزل الله عز وجل:  (لوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّـهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، وأرجو أن تكون رحمة من الله تعالى سبقت لنا.

فقال بعضهم إن كان والله يبغضك ويسميك الأخينس.

فضحك سعد ـ رضي الله عنه ـ حتى استعلاه الضحك، ثم قال : أو ليس الرجل قد يجد على أخيه في الأمر يكون بينه وبينه ثم لا يبلغ ذلك أمانته وذكر كلمة أخرى.

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ:

(هذا إسناد صحيح ، وقد اشتمل على فوائد جليلة).

قلتُ :  من تلك الفوائد:

  1. أن الرحمة قد سبقت للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ.
  2. أن أفراد الصحابة غير معصومين من الخطأ.
  3. دفع الصحابة وذبهم عن بعضهم بعض.
  4. حب سعد لعلي ـ رضي الله عنه ـ وحسن اعتذاره له.
  5. سد السلف لأبواب الغيبة في الصالحين.
  6. سلامة صدر سعد لإخوانه من الصحابة.
  7. عدم الانتقام للنفس.
فائدة رقم١٠٧: الاحتراز من حظوظ النفس

لفتة من ابن حبان حول حديث : (من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك…).

قال ابن حبان في “صحيحه”(409):

ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺻﺎﻟﺢ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺑﺒﻐﺪاد، ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ اﻟﺤﻠﻮاﻧﻲ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻤﺮاﻥ ﺑﻦ ﺃﺑﺎﻥ، ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ اﻟﺤﺴﻦ ﺑﻦ ﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ اﻟﺤﻮﻳﺮث، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ ﻋﻦ ﺟﺪه ﻗال:

ﺻﻌﺪ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ اﻟﻤﻨﺒﺮ ﻓﻠﻤﺎ ﺭﻗﻲ ﻋﺘﺒﺔ ﻗال:

( ﺁﻣﻴﻦ ) ، ﺛﻢ ﺭﻗﻲ ﻋﺘﺒﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻘﺎﻝ: (ﺁﻣﻴﻦ) ، ﺛﻢ ﺭﻗﻲ ﻋﺘﺒﺔ ﺛﺎﻟﺜﺔ ﻓﻘﺎﻝ: (ﺁﻣﻴﻦ) ،

ﺛﻢ ﻗﺎﻝ:

( ﺃﺗﺎﻧﻲ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻓﻘﺎﻝ: ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻦ ﺃﺩﺭﻙ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻓﻠﻢ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﻓﺄﺑﻌﺪﻩ اﻟﻠﻪ ﻗﻠﺖ: ﺁﻣﻴﻦ.

ﻗﺎﻝ: ﻭﻣﻦ ﺃﺩﺭﻙ ﻭاﻟﺪﻳﻪ ﺃﻭ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻓﺪﺧﻞ اﻟﻨﺎﺭ ﻓﺄﺑﻌﺪﻩ اﻟﻠﻪ ﻗﻠﺖ: ﺁﻣﻴﻦ.

ﻓﻘﺎﻝ: ﻭﻣﻦ ﺫﻛﺮﺕ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻠﻢ ﻳﺼﻞِّ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﺄﺑﻌﺪﻩ اﻟﻠﻪ ﻗﻞ: ﺁﻣﻴﻦ ﻓﻘﻠﺖ: ﺁﻣﻴﻦ ).

قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ  : ﺻﺤﻴﺢ ﻟﻐﻴﺮﻩ “اﻟﺘﻌﻠﻴﻖ اﻟﺮﻏﻴﺐ” (2/ 66).

قلت : هو من هذا الوجه ضعيف لكن له شواهد يتقوى بها.

ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺣﺎﺗﻢ ابن حبان : ﻓﻲ ﻫﺬا اﻟﺨﺒﺮ ﺩﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ اﻟﻤﺮء ﻗﺪ اﺳﺘﺤﺐ ﻟﻪ ﺗﺮﻙ اﻻﻧﺘﺼﺎﺭ ﻟﻨﻔﺴﻪ، ﻭﻻ ﺳﻴﻤﺎ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ اﻟﻤﺮء ﻣﻤﻦ ﻳﺘﺄﺳﻰ ﺑﻔﻌﻠﻪ، ﻭﺫاﻙ ﺃﻥ اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﻟﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺟﺒﺮﻳﻞ: (ﻣﻦ ﺃﺩﺭﻙ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻓﻠﻢ ﻳﻐﻔﺮ ﻟﻪ ﻓﺄﺑﻌﺪﻩ اﻟﻠﻪ)، ﺑﺎﺩﺭ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﺑﺄﻥ ﻗﺎﻝ: ﺁﻣﻴﻦ.

ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ: (ﻭﻣﻦ ﺃﺩﺭﻙ ﻭاﻟﺪﻳﻪ ﺃﻭ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻓﺪﺧﻞ اﻟﻨﺎﺭ ﻓﺄﺑﻌﺪﻩ اﻟﻠﻪ).

  • ﻓﻠﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻟﻪ: (ﻭﻣﻦ ﺫﻛﺮﺕ ﻋﻨﺪﻩ ﻓﻠﻢ ﻳﺼﻞِّ ﻋﻠﻴﻚ ﻓﺄﺑﻌﺪﻩ اﻟﻠﻪ)، ﻓﻠﻢ ﻳﺒﺎﺩﺭ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻟﻪ: ( ﺁﻣﻴﻦ ) ﻋﻨﺪ ﻭﺟﻮﺩ ﺣﻆ اﻟﻨﻔﺲ ﻓﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻗﺎﻝ ﺟﺒﺮﻳﻞ: ﻗﻞ: ﺁﻣﻴﻦ ﻗﺎﻝ: ﻗﻠﺖ: (ﺁﻣﻴﻦ).

ﺃﺭاﺩ ﺑﻪ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ اﻟﺘﺄﺳﻲ ﺑﻪ ﻓﻲ ﺗﺮﻙ الإﻧﺘﺼﺎﺭ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺑﺎﻟﻨﻔﺲ، ﺇﺫ اﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ ﻫﻮ ﻧﺎﺻﺮ ﺃﻭﻟﻴﺎﺋﻪ ﻓﻲ اﻟﺪاﺭﻳﻦ، ﻭﺇﻥ ﻛﺮﻫﻮا ﻧﺼﺮﺓ اﻷﻧﻔﺲ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ.

فائدة رقم١٠٨: من الخطأ اطلاق لفظ (سيدة على المرأة)

قال العلامة ابن عثيمين في”فتاوى نور على الدرب”:

كلمة ( سيدة ) أصبحت الآن وصفًا عامًا لكل امرأة، حتى وإن كانت لا تستحق من السيادة شيئًا، وأصبحت عرفًا مرادفة لكلمة امرأة، وهذا فيما أظن متلقى من غير المسلمين، لأن عبارة المسلمين التي أخذت من كتاب الله، وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن فيها التعبير عن المرأة بسيده، وإنما حدث هذا أخيرًا، فالذي أرى أن تسمى المرأة بالمرأة أو بالأنثى، أو بالفتاة، أو بالعجوز إذا كانت كبيرة، وما أشبه ذلك.

وأما أن ينقل لفظ السيدة الدال على السؤدد والشرف والوجاهة، فيسمى به كل امرأة، فإنه أمر لا ينبغي.

 

فائدة رقم١٠٩: ما يلقن الصبي أول ما يتكلم

قال ابن أبي شيبة في “المصنف”(3735):

ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻫﺸﻴﻢ، ﻋﻦ اﻟﻌﻮاﻡ، ﻋﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺘﻴﻤﻲ ﻗﺎﻝ:

( ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺴﺘﺤﺒﻮﻥ ﺃﻥ ﻳﻠﻘﻨﻮا الصبي  ويعرب أول ﻣﺎ ﻳﺘﻜﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ: ﻻ ﺇﻟﻪ ﺇﻻ اﻟﻠﻪ ﺳﺒﻊ ﻣﺮاﺕ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﺃﻭﻝ ﺷﻲء ﻳﺘﻜﻠﻢ ﺑﻪ ).

سنده صحيح.

وفي هذا :

  1. حرص السلف على تربية أبنائهم على العقيدة الصحيحة.
  2. المكانة العظيمة لكلمة التوحيد في قلوب المسلمين.
  3. تكرير السلف في تلقين أبنائهم للخير.
فائدة رقم١١٠: حكم أثر السجود في الجبهة

لهم قولان في ذلك:

  1. القول الأول: الكراهة .

وهو قول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ ونقل عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ عن ميمونة رضي الله عنها.

قال ابن أبي شيبة في “المصنف” (3167) :

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ اﻷﺣﻮﺹ، ﻋﻦ ﺃﺷﻌﺚ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺸﻌﺜﺎء، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻛﻨﺖ ﻗﺎﻋﺪًا ﻋﻨﺪ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ، ﻓﺮﺃﻯ ﺭﺟﻼً ﻗﺪ ﺃﺛﺮ اﻟﺴﺠﻮﺩ ﻓﻲ ﻭﺟﻬﻪ، ﻓﻘﺎﻝ: ( ﺇﻥ ﺻﻮﺭﺓ اﻟﺮﺟﻞ ﻭﺟﻬﻪ، ﻓﻼ ﻳﺸﻴﻦ ﺃﺣﺪﻛﻢ ﺻﻮﺭﺗﻪ).

سنده صحيح .

وأبو الأحوص هو سلام بن سليم .

وأبو الشعثاء هو سليم بن أسود.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻭﻛﻴﻊ، ﻋﻦ ﺛﻮﺭ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﻮﻥ اﻷﻋﻮﺭ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ اﻟﺪﺭﺩاء، ﺃﻧﻪ ﺭﺃﻯ اﻣﺮﺃﺓ ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻨﻴﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﺛﻔﻨﺔ اﻟﺸﺎﺓ، ﻓﻘﺎﻝ: ( ﺃﻣﺎ ﺃﻥ ﻫﺬا ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻨﻴﻚ ﻛﺎﻥ ﺧﻴﺮاً ﻟﻚ».

سنده ضعيف، أبو عون قيل اسمه عبدالله بن أبي عبدالله مجهول حال ولم يسمع من أبي الدرداء.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺃﻳﻮﺏ، ﻋﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﺑﺮﻗﺎﻥ، ﻋﻦ ﻳﺰﻳﺪ ﺑﻦ اﻷﺻﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻗﻴﻞ ﻟﻤﻴﻤﻮﻧﺔ: أَلَمْ تَرَيْ إلَى فُلاَنٍ يَنْقُرُ جَبْهَتَهُ بِالأَرْضِ يُرِيدُ أَنْ يُؤَثِّرَ بِهَا أَثَرَ السُّجُودِ، ﻓﻘﺎﻟﺖ: ( ﺩﻋﻪ ﻟﻌﻠﻪ ﻣﻠﺢ ).

سنده صحيح.

وعمر هو ابن أيوب أبو حفص الموصلي.

ويزيد بن الأصم مختلف في اسم الأصم وأمه هي برزة بنت الحارث أخت ميمونة رضي الله عنها.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ اﺑﻦ ﻧﻤﻴﺮ، ﻋﻦ ﺣﺮﻳﺚ، ﻋﻦ اﻟﺸﻌﺒﻲ، «ﺃﻧﻪ ﻛﺮﻩ اﻷﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﺟﻪ».

سنده ضعيف حريث هو ابن أبي مطر متروك.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﺩﻛﻴﻦ، ﻋﻦ ﻣﺴﺎﻓﺮ اﻟﺠﺼﺎﺹ، ﻋﻦ ﺣﺒﻴﺐ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﺛﺎﺑﺖ، ﻗﺎﻝ: ﺷﻜﻮﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﺠﺎﻫﺪ اﻷﺛﺮ ﺑﻴﻦ ﻋﻴﻨﻲ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ( ﺇﺫا ﺳﺠﺪﺕ ﻓﺘﺠﺎﻑ).

سنده  ضعيف، مسافر الجصاص روى عنه وكيع وأبو نعيم وترجمه البخاري وابن أبي حاتم وابن ماكولا ولم يذكروا فيه جرحًا وﻻ تعديلًا وذكره ابن حبان في الثقات.

حاصل الأمر : أنه مجهول حال.

  1. القول الثاني : الرخصة في ذلك وأنه ﻻ بأس به.

وعليه صنيع جماعة من السلف.

قال ابن أبي شيبة في “المصنف”(3172):

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﻔﺺ ﺑﻦ ﻏﻴﺎﺙ، ﻋﻦ ﺣﺠﺎﺝ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﻗﺎﻝ: ( ﺭﺃﻳﺖ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﻋﻠﻲ، ﻭﺃﺻﺤﺎﺏ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻭﺁﺛﺎﺭ اﻟﺴﺠﻮﺩ ﻓﻲ ﺟﺒﺎﻫﻬﻢ ﻭﺃﻧﻮﻓﻬﻢ).

سنده ضعيف، حجاج بن أرطأة ضعيف.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﻋﻴﺎﺵ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﻗﺎﻝ: ( ﻣﺎ ﺭﺃﻳﺖ ﺳﺠﺪﺓ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻨﻬﺎ ) ﻳﻌﻨﻲ ﺳﺠﺪﺓ اﺑﻦ اﻟﺰﺑﻴﺮ.

سنده صحيح.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻷﻋﻠﻰ ﻋﻦ ﻫﺸﺎﻡ، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ، ﻗﺎﻝ: ( ﺭﺃﻳﺖ ﻣﺎ ﻳﻠﻲ اﻷﺭﺽ ﻣﻦ ﻋﺎﻣﺮ ﺑﻦ عبد ﻗﻴﺲ ﻣﺜﻞ ﺛﻔﻦ اﻟﺒﻌﻴﺮ).

سنده صحيح.

هشام هو ابن حسان.

أقول :

لعل التفصيل أقرب :

فمن ظهر أثر السجود فيه من غير تكلف له وﻻ ضغط على جبهته في سجوده لأجل أن يظهر أثر السجود فهذا ﻻ شيء عليه فيه.

فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

ويحرص على سلامة نيته وصلاح عمله وﻻ يتخذ ذلك للرياء وإظهار كثرة الصلاة.

فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (إن الله ﻻ يقبل من العمل إلا ما كان خالصًا وابتغي به وجهه ).

أخرجه النسائي عن أبي أمامة بسند صحيح.

وأما من تكلف ذلك بالضغط على جبهته وقصد السجود على الخشن ليظهر أثر ذلك فهذا من العمل السيء ومن آثار الرياء وعلامة من علامات فساد العمل ويخشى على من عمل هذا من سوء الخاتمة.

وبالله التوفيق.

فائدة رقم١١١: أقسام العلماء من حيث تبليغ الدين للناس

قال ابن حزم في “الإيصال” (ص:338):

والعلماء صنفان :

  • صنف:  ينقل ما يسمع ويحفظه حتى يبلغه إلى من يفهم فقهه ودقائقه.
  • وصنف: يفهم ما يحفظه ويعلمه الناس ويفهمهم إياه.

وهؤلاء أفضل، وفي كل فضل كبير، ومن كتم علمًا عنده ألجمه الله يوم القيامة لجامًا من نار.

والصبر على الأذى في بيان الحق من أفضل الأعمال .

وأوضح هذا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في كتاب “جواب الاعتراضات المصرية” ص:44 فقال :

ليس كل من وجد العلم قدر على التعبير عنه والاحتجاج له.

فالعلم شيء.

وبيانه شيء أخر.

والمناظرة عنه وإقامة دليله شيء ثالث.

والجواب عن حجة مخالفه شيء رابع.

فائدة رقم١١٢: من روائع حديث الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ عن نفسه

قال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في “صحيح موارد الظمآن” (2/462-465):

تحت حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

(أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك ).

قال ابن عرفة: وأنا من ذلك الأقل.

قال الشيخ : وأنا أيضًا من ذلك الأقل فقد جاوزت الرابعة والثمانين سائلًا المولى سبحانه وتعالى أن أكون ممن طال عمره وحسن عمله ومع ذلك أكاد أتمنى الموت لما أصاب المسلمين من الإنحراف عن الدين والذل الذي نزل بهم حتى من الأذلين ولكن حاشا أن أتمنى وحديث أنس ماثل أمامي منذ نعومة أظفاري فليس لي إلا أن أقول كما أمرني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي وداعيا بما علمنيه عليه الصلاة والسلام: اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعل الوارث منا.

وقد تفضل سبحانه فاستجاب ومتعني بكل ذلك فها أنا ذا لا أزال أبحث بنشاط قل مثيله وأصلي النوافل قائمًا وأسوق السيارة بنفسي المسافات الشاسعة وبسرعة ينصحني بعض الأحبة بتخفيفها ولي في ذلك تفصيل يعرفه بعضهم أقول هذا من باب (وأما بنعمة ربك فحدث )، راجيًا من المولى سبحانه وتعالى أن يزيدني من فضله فيجعل ذلك كله الوارث مني وأن يتوفاني مسلمًا على السنة التي نذرت لها حياتي دعوة وكتابة ويلحقني بالصالحين وحسن أولئك رفيقًا إنه سميع مجيب.

فائدة رقم١١٣: بسط الجهال لألسنتهم في العلماء الصالحين مرض قديم شكى منه الخطيب البغدادي

قال ـ رحمه الله ـ في “الاحتجاج بالشافعي” (ص:368 ):

فقد شاهدنا ما كنا قبل نسمعه، ووصلنا إلى الزمان الذي كنا نحذره ونتوقعه، وحل بنا ما لم نزل نهابه ونفزعه، من استعلاء الجاهلين، وظهور الخاملين، وخوضهم بجهلهم في الدين، وقذفهم بوصفهم الذي ما زالوا به معروفين، السادة من العلماء والأئمة المنزهين، وبسطهم ألسنتهم بالوقيعة في الصالحين، وإن الذنب بهم ألحق، والذم إليهم أسبق، والقبيح بهم ألصق، والعيب بهم أليق، وما سبيلهم فيما قصدوه من الطريق الذي سلكوه، وظنهم الكاذب الذي يوهموه، وقولهم الباطل إذ أذاعوه، إلا ما أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق البزاز قال: أنشدنا أحمد بن كامل قال: أنشدنا أبو يزيد أحمد بن روح البزاز قال: أنشدنا عبيد بن محمد العبسي في ابنه :

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه                فالناس أضداد له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها                   حسداً وبغياً إنه لذميم

وترى اللبيب محسدًا لم يجترم          شتم الرجال وعرضه مشتوم

وأخبرنا ابن رزق أيضًا قال: أنشدنا أحمد بن كامل قال: أنشدنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة قال أنشدنا علي بن محمد المدايني:

إن الغرانيق نلقاها محسدة                 ولا نرى للئام الناس حسادًا

قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة إلا أن الواقعين في أعراض علماء السنة ودعاتها في هذا الزمان لبس عليهم الشيطان وأغواهم وزين لهم عملهم من حيث ﻻ يعلمون.

أن صنيعهم الباطل وهتكهم الحاصل بغير حق إنما هو نصرة وبيان لسبيل المفسدين فارتكبوا الوزر من حيث ظنوا الأجر وأفسدوا و لبس عليهم الشيطان أنهم يصلحون.

وما علموا أنهم يصدون عن سبيل الله وأن الشيطان اتخذهم جنودًا ووفر بهم عليه جهودًا

وكم للشيطان من طريق في إغواء عباد الله فاحذروا رحمكم الله.

فائدة رقم١١٤: البخاري لم يقصد استيعاب جميع الصحيح وﻻ الإخراج عن جميع الثقات

البخاري ومسلم لم يستوعبا جميع الصحيح وﻻ قصدا استيعابه ، وأهل العلم شبه متفقين على ذلك، وتعقبوا على الحافظ الدار قطني تصنيفه كتاب ” الإلزامات “.

وهكذا الرجال: فلم يقصدا الإخراج عن كل ثقة عرفاه وﻻ عن كل ثقة أخرجا عنه إخراج جميع حديثه.

وإنما انتقيا من الصحاح  ومن روايات الثقات ما يسره الله وأراده على منهج وطريق رسماه وسارا عليه.

وللخطيب البغدادي تحقيق حسن فيما يتعلق بالبخاري لم أر أحداً ينقله في هذه المسألة فأحببت نشره:

قال الحافظ أبو بكر أحمد بن علي البغدادي في “الاحتجاج بالشافعي”:

وأصحهم  – يعني مصنفي أهل الحديث – اختيارًا لما صنفه محمد بن إسماعيل البخاري هذب ما في جامعه جمعه ولم يأل عن الحق فيما أودعه غير أنه:

عدل عن كثير من الأصول إيثارًا للإيجاز وكراهة للتطويل .

وإن كان قد عني عن المتروك بأمثاله ودل على ما هو من شرطه بأشكاله، ولم يكن قصده والله أعلم استيعاب طرق الأحاديث كلها ما صح إسناده، وإنما جعل كتابه أصلًا يؤتم به ومثالًا يستضاء بمجموعه ويرد ما شذ عنه إلى الإعتبار بما هو فيه ويدل على ذلك :

ما أخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد الماليني قال: أنبأنا عبد الله بن عدي الحافظ قال : سمعت الحسن بن الحسين البخاري يقول: سمعت إبراهيم بن معقل يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول:

ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول.

وأنبأنا أبو سعد أيضًا قال: أنبأنا عبد الله بن عدي قال: حدثني محمد بن أحمد القومسي قال: سمعت محمد بن حمدوية يقول: سمعت محمد بن إسماعيل يقول:

أحفظ مائة ألف حديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح.

وجامع البخاري إنما يشتمل على ألوف يسيرة من الأصول

  • وأحسبه أراد بقوله: (أحفظ مائة ألف حديث صحيح)

طرق الأخبار من المرفوعة والموقوفة وأقوال التابعين ومن بعدهم، جعل كل طريق منها حديثًا، لا أنه أراد الأصول حسب.

وأي ذلك كان مراده، فقد بين أن في الصحاح ما لم يشتمل عليه كتابه، ولم يحوه جامعه.

وكمثل ما فعل في الأحاديث فعل في الرجال، فإن كتاب التاريخ الذي صنفه تشتمل أسماء الرجال المذكورة فيه على ألوف كثيرة في العدد، وأخرج في صحيحه عن بعض المذكورين في تاريخه.

وسبيل من ترك الإخراج عنه سبيل ما ترك من الأصول:

إما أن يكون الراوي ضعيفًا ليس من شرطه.

أو يكون مقبولًا عنده غير أنه عدل عنه استغناء بغيره.

والله أعلم.

فائدة رقم١١٥: الإجماع على أن المظلوم موقوف على النصرة

قال الشيخ أحمد بن عبد الوهاب النويري المتوفى سنة [ 732 ] في كتاب “نهاية الأرب” (6/40):

( أجمعوا على: أن المظلوم موقوف على النصرة ؛ لقوله تعالى: { ثم بغي عليه لينصرنه الله }. الظالم مدرجة العقوبة، وإن تنفست مدته).

والواقع خير شاهد لذلك ، وهذه قاعدة في جميع الحياة العامة والخاصة، فالباغي الظالم من الملوك والقادة وغيرهم من البغاة والظلمة مستدرج معاقب، والمظلوم مؤيد منصور، حتى المظلوم من أهل العلم بالنيل منه بغير حق وتقليب الحقائق عليه، تجده منصورًا مؤيدًا في حياته، وقد يتأخر نصره إلى ما يكون بعد حياته، فانظر لشيخ الإسلام كيف حورب وبغي عليه، حتى أخفى أصحابه بعض كتبه واندرست بعضها، وبعضها لم يخرج إلا اليوم.

وهكذا العلامة الشوكاني، سمعتُ شيخنا مقبلًا ـ رحمه الله ـ يقول: إن هذا من نصر الله وتأييده لشيخ الإسلام وللشوكاني وأمثالها من العلماء والمجتهدين الصادقين، حيث أن الله حفظ علمهم وما دونوه، ونشر وتسابق أهل العلم بعد موتهم بقرون: في نسخه وتحقيقه، وتسابق أهل دور النشر في طبعه ونشره،  و تسابق الناس في اقتنائه والانتفاع به.

وﻻ شك أن هذا من التأييد الإلهي ، والنصر الرباني.

نسأل الله من فضله.

فائدة رقم١١٦ : القراءة في صلاة التراويح في رمضان ﻫﻞ ﻳﻘﺮﺃ الإمام أو ﻣﻦ يتناوب معه: من ﺣﻴﺚ ﻳﺒﻠﻎ

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ بن أبي شيبة في “المصنف”  (7969) :

ﺛﻨﺎ ﻋﻴﺴﻰ ﺑﻦ ﻳﻮﻧﺲ، ﻋﻦ اﻷﻭﺯاﻋﻲ ـ رحمه الله ـ ﻗﺎﻝ:

ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﻘﺮؤﻥ ﻣﺘﻮاﺗﺮﻳﻦ ﻓﻲ ﺭﻣﻀﺎﻥ، ﻛﻞ ﻗﺎﺭﺉ ﻓﻲ ﺃﺛﺮ ﺻﺎﺣﺒﻪ، ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻲ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ﻓﻘﺎﻝ:

( ﻟﻴﻘﺮﺃ ﻛﻞ ﻗﺎﺭﺉ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺃﺣﺐ).

سنده صحيح.

والأمر في هذا واسع، إلا أن إسماع الناس القرآن كاملًا متتابعًا أنفع لهم، ودرج عليه صنيع المسلمين، وعليه فتوى أهل العلم المعتبرين.

فائدة رقم١١٧: خلاصة القول حول سعيد بن أبي عروبة واختلاطه

هو سعيد بن أبي عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر .

حاله: ثقة حافظ يدلس .

عده الحافظ في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، اختلط في آخره في سنة الهزيمة (هزيمة إبراهيم بن عبد الله بن حسن الذي خرج على أبي جعفر) وكانت سنة مائة وخمسة وأربعين، وكان من أثبت الناس في قتادة بن دعامة السدوسي.

وهو ثقة حافظ مكثر مشهور ولشهرته بالحفظ والصلاح يذهل بعض الباحثين عن اختلاطه الذي صار في وقته شبه المتروك، فأحببت أن ألفت النظر إلى اختلاطه وأبين مراتب الرواة عنه :

والرواة عنه على مراتب :

المرتبة الأولى : من روى عنه قبل الاختلاط.

وهم : أسباط بن محمد، وإسماعيل بن علية، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وخالد بن الحارث، وسرار بن مُجشِّر، وسفيان بن حبيب، وسفيان الثوري، وشبيب بن إسحاق، وشعبة بن الحجاج، وعبد الله بن بكر بن حبيب السهمي، وعيسى بن يونس، وعبدة بن سليمان، ومحمد بن بشر، ومحمد بن بكر البرساني، ومصعب بن ماهان، ويحيى بن سعيد القطان، ويزيد بن زريع،  ومحمد بن سواء، وروح بن عُبادة القيسي.

وعبد الرحمن بن عثمان البكراوي، أخرج له الشيخان عن سعيد.

وبشر بن المفضل، وسهل بن يوسف، وعبد الوارث بن سعيد، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وكَهْمِسْ بن المنهال، أخرج لهم البخاري عن سعيد.

وسعيد بن عامر الضبعي، وسالم بن نوح، وأبو خالد الأحمر، وعلي بن مسهر، وهؤلاء أخرج لهم مسلم عن سعيد.

تنبيهان:

  1. وأنكر يحيى بن سعيد القطان حديثًا رواه روح بن عبادة القيسي عن سعيد عن قتادة عن أنس عن أبيى طلحة ـ رضي الله عنه ـ  قال: ( كَانَ رَسُوْلُ اللهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إِذَا غَلَبَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالعَرصَةِ ثَلَاثًا…)، كان يحيى بن سعيد يقول: ( ليس من قديم حديث سعيد إنما أخرجه بالآخرة ).
  2. أخرج ابن عدي من طريق أحمد بن أبي يحيى قال: سمعت سريج بن يونس يقول: سمعت عبدة يقول: (سمعت من سعيد بن أبي عروبة في الاختلاط)، قال ابن عدي: (الصواب إن شاء الله قبل الاختلاط).

قلت: لأن أحمد بن أبي يحيى كذاب، كذبه إبراهيم الأصبهاني.

المرتبة الثانية: من اختلف في سماعه، وهم:

  1. يزيد بن هارون.

فذهب أحمد إلى أن سماعه في حال الصحة إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة، وفي رواية: ضعفه في سعيد وقال: (كذا وكذا حديثا خطأ).

وذهب ابن معين إلى أن سماعه من سعيد صحيح مطلقًا.

والصحيح: ما ذهب إليه ابن معين، فقد قال يزيد بن هارين: ( لقيت ابن أبي عروبة قبل الأربعين بدهر، ورأيته سنة ثنتين وأربعين فأنكرته).

  1. وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف.

هو من أثبت الناس في سعيد، قال ابن سعد: ( لزم سعيدًا وعرف بصحبته وكتب كتبه).

واختلف أهل العلم هل سمع من سعيد فقط في صحته أم سمع منه في صحته واختلاطه.

فذهب ابن نمير وأحمد في رواية أنه سمع منه كذلك بعد الاختلاط.

وذهب القطان وأبو داود ونقله عن أحمد أن سماعه قبل الاختلاط. ولعله مذهب مسلم فقد أخرج له في صحيحه عنه.

والصحيح: أنه سمع منه قبل وبعد.

قال ابن معين: ( قلت لعبد الوهاب: سمعتَ من سعيد في الاختلاط؟ قال: سمعت منه في الاختلاط وغير الاختلاط، فليس أُمَيِّز هذا من هذا).

  1. وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي.

قال ابن خلفون: ( زعم بعضهم أن عبد الأعلى سمع من سعيد بن أبي عروبة قبل الاختلاط وبعده). وذهب ابن القطان إلى أنه لم يُدرَ أسمع منه قبل أو بعد، وتعقبه ابن المواق فأجاد.

والصحيح: أن سماعه كان قبل الاختلاط، وبرهان ذلك: قال ابن أبي خيثمة: ثنا عبيد الله بن عمر ثنا عبد الأعلى قال: ( فرغت من حاجتي من سعيد ـ يعني ابن أبي عروبة ـ قبل الطاعون ـ يعني أنه سمع منه قبل الاختلاط ـ ).  ولهذا فقد أخرج له الشيخان عن سعيد.

  1. شعيب بن إسحاق البصري.

ذهب أحمد إلى أنه سمع منه بعد الاختلاط.

وذهب ابن معين وابن حبان إلى أنه سمع منه قبل الاختلاط.

وجمع العراقي بين هذا الاختلاف فقال: ( وهذا الخلاف فيه مَخْرَجٌ على الخلاف في مدة اختلاطه، فإن ابن معين قال: إنه اختلط بعد سنة اثنتين وأربعين. وقال دحيم وغيره: سنة خمس وأربعين. ويمكن أن يجمع بين قول أحمد إنه سمع منه بآخر رمق وبين قول من قال سمع منه قبل أن يختلط: أنه كان ابتداء سماعه منه سنة أربع وأربعين كما أخبر هو عن نفسه ثم أنه سمع منه بعد ذلك بآخر رمق فإنه بقى إلى سنة ست وخمسين على قول الجمهور. وعلى هذا، فحديثه كله مردود لأنه سمع منه في الحالين على هذا التقدير. ويحتمل أن يراد بآخر رمق آخر زمن الصحة، فعلى هذا يكون حديثه عنه كله مقبولًا إلا على قول ابن معين والله أعلم ).

  1. محمد بن جعفر غندر. اختلف العلماء فيه.

فذهب ابن معين، وابن المديني، وابن مُكرِم إلى أنه سمع منه قبل الاختلاط، ورجحه ابن رجب.

وذهب ابن مهدي إلى أن سماعه كان بعد الاختلاط.

والصحيح: الأول، والله أعلم.

ولهذا فقد أخرج له مسلم في صحيحه عن سعيد.

  1. عبد الله بن المبارك.

ذهب العجلي إلى أنه روى عن سعيد في الاختلاط.

وذهب ابن حبان إلى أنه روى عنه قبل الاختلاط، وهو الراجح، وقد أخرج له البخاري من روايته عن سعيد.

المرتبة الثالثة: من روى عنه بعد الاختلاط،

وهم: والفضل بن دكين، وغندر، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، والمعافي بن عمران، ووكيع.

قلت: ومحمد بن أبي عدي أخرج له الشيخان عن سعيد.

ومن هؤلاء الرواة: من كان يتخير من حديثه وينتقي، منهم:

  1. وكيع، قال أبو داود ـ رحمه الله ـ كما في «تهذيب الكمال»: ( سمعت صالحًا الخندقي قال: سمعت وكيعًا قال: كنا ندخل على سعيد بن أبي عروبة فنسمع، فما كان من صحيح حديثه أخذناه وما لم يكن صحيحًا طرحناه).

وأخرج الخطيب في الكفاية عن يحيى بن معين قال: ( قلت لوكيع بن الجراح: تحدث عن سعيد بن أبى عروبة وإنما سمعت منه في الاختلاط؟ قال رأيتني حدثت عنه إلا بحديث مستو).

  1. أبو نعيم الفضل بن دكين، قال البخاري: قال أبو نعيم: ( كتبت من سعيد بن أبي عروبة بعد ما اختلط حديثين). وأخرج الحطيب عن محمد بن إسماعيل السلمي قال: (سمعت أبا نعيم يقول: دخلت البصرة بعدما خرج الثوري من عندنا ودخل وكيع قبلي، فأتيت سعيد بن أبى عروبة فوجدته قد تغير، فلا أحدث عنه وسمعت من الثوري عن بن أبى عروبة فأخذت عن الثوري عنه ولا أحدث عنه).

المرتبة الرابعة: من لم يعلم أَسَمِعَ منه قبل الاختلاط أو بعده،

مثل: عباد بن العوام، قال أحمد: ( لا أدري أَسَمِعَ منه بآخرة أم لا).

وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي على قول ابن القطان ولم يصب في ذلك فقد تعقبه ابن المواق فأجاد، فقد سبق ذكره في المرتبة الثانية.

والله تعالى أعلم بالصواب.

فائدة رقم١١٨: نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى قليل من العلم

قال ابن الأعرابي في “معجمه” (2451) :

سمعت يوسف أبا يعقوب المروزي صاحبنا، نا عبدالله بن خبيق، نا علي قال: قال مخلد بن الحسين: نحن إلى كثير من الأدب أحوج منا إلى قليل من العلم.

يوسف  لم يتبين لي.

ابن خبيق هو الأنطاكي  زاهد مشهور صاحب يوسف بن أسباط، روى عنه : من أراد العز ومنازل الشهداء يوم القيامة فليبغض حمد الناس.

وعلي هو ابن عثام ثقة فاضل روى أن مالكًا سئل عن الشطرنج فقال مالك للسائل: أمن الحق هو، قال: ﻻ، قال: فما بعد الحق إلا الضلال.

مخلد بن الحسين هو أبو محمد الأزدي،

وهو القائل أيضًا: متنقل الله العباد إلى شيء إلا اعترض فيه إبليس بأمرين : ما يبالي بأيهما ظفر: إما غلو فيه، وإما تقصير عنه.

وهذا الأثر قد جاء بنحوه عن الليث  أخرجه الخطيب في “شرف أصحاب الحديث” (253)، عن الليث بن سعد ـ رحمه الله ـ أنه أشرف على أصحاب الحديث فرأى منهم شيئًا فقال: ( ما هذا ؟ أنتم إلى يسير من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم ).

وسنده صحيح.

نصيحته السابقة تكتب بماء العين فطالب علم : يحتاج إلى الأدب مع الله، ومع رسوله، ومع الناس، بداية بوالديه وإخوانه وأقاربه وأهله وأولاده وجيرانه ومعلميه ومشايخ.

فكم من طالب عنده علم لكنه في باب الأدب قد يكون أسوأ من العامي.

فيحرص طالب العلم على  الآداب وتعلمها ويطالع  في ترجم السلف وكتب الأدب كجامع بيان العلم وفضله، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، وتعليم المتعلم طريق التعلم للعلامة الزرنوجي، وحلية طالب العلم وشرحها وأمثال ذلك؛ ليزين علمه بالحلم والأدب.

واعلم رعاك الله أن النفوس قد تكون شديدة تحتاج إلى ترويض.

فائدة رقم١١٩: جرم من نال من الصحابة مهما عمل من بر

قال الدينوري في  “المجالسة” (112):

حَدَّثَنَا يحيى بن المختار، قال :سمعت بشر بن الحارث يقول:

( لو أن الروم سبت من المسلمين كذا وكذا ألفًا ثم فداهم رجل كان في قلبه سوء لأصحاب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينفعه ذلك ).

أخرجه ابن عساكر في “تاريخ دمشق”(10/194) من طريق الدينوري به.

ويحيى بن المختار فيه كلام لكنه متابع.

فقد أخرج ابن عساكر (10/193) من طريقكم بن منصور الطوسي عن بشر قال:

( لو أن الروم بأسرهم جاؤوا إلى باب الأمبار، فخرج رجل بسيفه حتى ردهم إلى الموضع الذي جاؤوا منه، ثم نقص أحدًا من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقدار ثقب إبرة ما نفعه ذلك).

 

فائدة رقم١٢٠: اﻟﺼﻼﺓ اﻟﺘﻲ ﺃﺭاﺩ اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﺃﻥ ﻳﺤﺮﻕ على من تخلف ﻋﻨﻬﺎ

ساق الأقوال في ذلك ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ بن أبي شيبة في “المصنف” (5999 وما بعد) فقال :

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻔﺎﻥ، ﻗال: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﻤﺎﺩ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺔ، ﻗﺎﻝ: ﺃﺧﺒﺮﻧﺎ ﻋﻄﺎء اﻟﺨﺮاﺳﺎﻧﻲ، ﻋﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ، ﻗال:

( ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻼﺓ اﻟﺘﻲ ﺃﺭاﺩ اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﺃﻥ ﻳﺤﺮﻕ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺗﺨﻠﻒ ﻋﻨﻬﺎ، ﺻﻼﺓ اﻟﻌﺸﺎء).

هذا قول سعيد وسنده حسن إن شاء على قول لأهل العلم في عطاء.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﻔﺎﻥ، ﻗال: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﻤﺎﺩ ﺑﻦ ﺳﻠﻤﺔ، ﻋﻦ ﺣﻤﻴﺪ، ﻭﻏﻴﺮﻩ، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻦ، ﻗال:

( ﻛﺎﻧﺖ اﻟﺼﻼﺓ اﻟﺘﻲ ﺃﺭاﺩ اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﺃﻥ ﻳﺤﺮﻕ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺗﺨﻠﻒ ﻋﻨﻬﺎ، اﻟﺠﻤﻌﺔ ).

هذا قول الحسن و سنده عن الحسن صحيح.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ، ﻋﻦ اﻷﻋﻤﺶ، عن أبي صالح ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ، ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺫﻛﺮﻩ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﺃﻧﻪ ﻗال: ( ﻫﻲ اﻟﻌﺸﺎء ﺃﻭ اﻟﻔﺠﺮ) .

سنده صحيح.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ اﻟﻔﻀﻞ ﺑﻦ ﺩﻛﻴﻦ، ﻋﻦ ﺯﻫﻴﺮ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎﻕ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ اﻷﺣﻮص، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺘﻪ ﻣﻨﻪ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ ﺃﻧﻪ ﻗﺎﻝ: ( ﻫﻲ اﻟﺠﻤﻌﺔ).

سنده صحيح.

وهو في مسلم (652) من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لقوم يتخلفون عن الجمعة : (لقد هممت أن آمر رجلًا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم).

وفي حديث أبي هريرة في الصحيحين أنها صلاة العشاء والفجر.

قال النووي : كله صحيح وﻻ منافاة بين ذلك.

فائدة رقم١٢١: مكانة أهل الحديث من حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ﻻتزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق

قال أبو عبد الله البخاري : يعني أهل الحديث٠

ونقل أيضًا عن : ابن المبارك وأحمد بن سنان وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل ومحمد بن عبدالله بن بشر..

قال الخطيب في ” الاحتجاج بالشافعي”(ص:376):

كل طائفة وإن كانت تتأول أن هذا الحديث وارد فيها، دون غيرها ممن خالفها، فإنها لا تنكر أن أشد الناس نظرًا في حال المنقول، وإهتمامًا بأمور الأسانيد المؤدية عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحاب الحديث، لأنهم العالمون بأسماء الرجال، وأهل العناية بالبحث عن الأحوال وذووا المعرفة بالجرح والتعديل والحافظون طرق الصحيح والمعلول، اجتهدوا في تعلم ذلك وضبطه، واتعبوا أنفسهم في سماعه وحفظه، وفنيت فيه أعمارهم، وبعدت فيه أسفارهم، واستقربوا له الشقة البعيدة، وهونوا لأجله المشقة الشديدة، حتى علموا ـ بتوفيق الله ـ صحيح الآثار، ومنكر الروايات والأخبار، وعرفوا أهل النقل، من مجروح و عدل، ومتقن وحافظ، وصدوق وصالح، ولين وضعيف، وساقط، ومتروك.

فنزلوا الروات منازلهم، وميزوا أحوالهم ومراتبهم، ودونوا من الأحاديث صحيحها، ونبهوا على باطلها وموضوعها، وكان من أحسنهم مذهبًا فيما ألفه، وأصحهم اختيارًا لما صنفه، محمد بن إسماعيل البخاري هذب ما في جامعه جمعه، اختيارًا لم صنفه، ولم يأل عن الحق فيما أودعه، غير أنه عدل عن كثير من الأصول، وإيثار للإيجاز وكراهة للتطويل، وإن كان قد عنى عن المتروك بأمثاله، ودل على ما هو من شرطه.

 

 

 

 

فائدة رقم١٢٢: الآثار في رفع اليدين في القنوت

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ  ابن أبي شيبة (7223 وما بعد):

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ، ﻋﻦ ﺟﻌﻔﺮ ﺑﻦ ﻣﻴﻤﻮﻥ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺜﻤﺎﻥ، ﻗﺎﻝ: ( ﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ يقنت بنا ﺑﻌﺪ اﻟﺮﻛﻮﻉ، ﻭﻳﺮﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺒﺪﻭ ﺿﺒﻌﺎﻩ، ﻭﻳﺴﻤﻊ ﺻﻮﺗﻪ ﻣﻦ ﻭﺭاء اﻟﻤﺴﺠﺪ).

سنده صحيح.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻭﻛﻴﻊ، ﻋﻦ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ﺟﻌﻔﺮ، ﺻﺎﺣﺐ اﻷﻧﻤﺎط، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺜﻤﺎن، (أن ﻋﻤﺮ، ﺭﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﻓﻲ ﻗﻨﻮت اﻟﻔﺠﺮ).

سنده ضعيف.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻭﻛﻴﻊ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺳﻔﻴﺎن، ﻋﻦ ﻋﻮف، ﻋﻦ ﺧﻼس ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ اﻟﻬﺠﺮي، ﻋﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس، ( أنه ﺻﻠﻰ، ﻓﻘﻨﺖ ﺑﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻔﺠﺮ ﺑﺎﻟﺒﺼﺮﺓ، ﻓﺮﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﺣﺘﻰ ﻣﺪ ﺿﺒﻌﻴﻪ).

سنده صحيح.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻫﺸﻴﻢ، ﻋﻦ ﻋﻮف، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺭﺟﺎء، ﻗﺎﻝ: ( ﺭﺃﻳﺖ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻳﻤﺪ ﺑﻀﺒﻌﻴﻪ ﻓﻲ ﻗﻨﻮﺕ ﺻﻼﺓ اﻟﻐﺪاﺓ) .

هشيم مدلس وقد عنعن. ولكن يتقوى بسابقه.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺣﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ، ﻋﻦ ﺯاﺋﺪﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻓﺮﻭﺓ، ﻗﺎﻝ: ( ﻛﺎﻥ اﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻟﻴﻠﻰ ﻳﺪﻋﻮ ﺑﺈﺻﺒﻊ ﻭاﺣﺪﺓ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻗﻨﻮﺕ اﻟﻔﺠﺮ).

سنده حسن.

وقال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ  ابن أبي شيبة (7136 وما بعد) :

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﺑﻮ اﻷﺣﻮﺹ، ﻋﻦ ﻣﻐﻴﺮﺓ، ﻋﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ، ﻗﺎﻝ: ( اﺭﻓﻊ ﻳﺪﻳﻚ ﻟﻠﻘﻨﻮﺕ).

سنده جيد.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ ﻫﺸﺎﻡ، ﻗﺎﻝ: ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺳﻔﻴﺎﻥ، ﻋﻦ ﻟﻴﺚ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ اﻷﺳﻮﺩ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ( أنهﻛﺎن ﻳﺮﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﻓﻲ ﻗﻨﻮﺕ اﻟﻮﺗﺮ).

ضعيف في سنده ليث ابن أبي سليم وهو ضعيف.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻤﺤﺎﺭﺑﻲ، ﻋﻦ ﻟﻴﺚ، ﻋﻦ اﺑﻦ اﻷﺳﻮﺩ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ( ﺃﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻳﺮﻓﻊ ﻳﺪﻳﻪ ﺇﺫا ﻗﻨﺖ ﻓﻲ اﻟﻮﺗﺮ).

ضعيف كسابقه.

  • ورفع الأيدي في الدعاء سواء في القنوت أو غيره من الأدعية المطلقة هو مذهب جمهور أهل العلم .

ويستدل لهم  بعموم الأدلة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في رفع الأيدي .

ورفع الأيدي في الدعاء أجلب للخشوع وأعظم في الرغبة والتضرع بين يدي الله.

فائدة رقم١٢٣: اعتذار شريح عن إشهاده على تقسيم رجل تركته بين أولاده في حياته

قال ابن أبي شيبة في  “المصنف” ( 33050) :

حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن أبي حيان قال: حدثني أبي قال: حضر جار لشريح وله بنون، فقسم ماله بينهم لا يألو أن يعدل، ثم دعا شريحًا، فجاء فقال أبا أمية: إني قسمت مالي بين ولدي ولم آلُ وقد أشهدتك، فقال شريح:

( قسمة الله أعدل من قسمتك، فارددهم إلى قسمة الله وفرائضه، وأشهدني وإلا فلا تشهدني، لا أشهد على جور).

سنده صحيح عن سعيد بن حيان.

حسين بن علي هو الجعفي.

وزائدة هو ابن قدامة.

وأبو حيان هو: يحيى بن سعيد بن حيان.

كلهم ثقات.

وسعيد بن حيان ناقل الخبر وثقه العجلي وابن حبان والذهبي في الكاشف ونقل ابن حجر قول العجلي وسكت عليه.

قلت: هو مستور، وﻻ يضر فهو ناقل للحكاية.

فهذا شريح القاضي أحد القضاة في خلافة علي ـ رضي الله عنه ـ رفض أن يشهد على تقسيم تركة رجل يريد تقسيمها في حياته ، وهذا هو المعلوم عن السلف.

ومن شروط الإرث تحقق موت المورث.

ويترتب على تقسيم التركة ومالكها حي مفاسد ﻻ تحمد من ذلك:

  1. أن صاحب التركة قد يحتاج منها شيئًا في علاج مرضه أو سد حاجته فلا يقدر عليه.
  2. قد يتوفى أحد أوﻻده من الذكور أو الإناث وهو ﻻ يزال  فيسبب ذلك نزاعًا بين أولاده وأولاد ولده أو بين أولاده أنفسهم.
  3. قد يتزوج فيولد له ويكون قد قسم تركته.

إلى غير ذلك من المفاسد المعلومة.

وعليه فإنا ننصح المسلمين: أن ﻻ يتسرع أحد منهم بقسمة تركته بل يتركها تحت ملكه حتى يقضي الله ما شاء والله على كل شيء قدير.

 

 

 

فائدة رقم١٢٤: المراد بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)

قال أبو حاتم بن حبان ـ رحمه الله تعالى ـ في “روضة العقلاء” (467) :

(أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابن عمر في هذا الخبر أن يكون في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل: فكأنه أمره بالقناعة باليسير من الدنيا؛ إذ الغريب وعابر السبيل لا يقصدان في الغيبة الإكثار من الثروة بل القناعة إليهما أقرب من الإكثار من الدنيا ).

فائدة رقم١٢٥ : فائدة نفيسة عن اعتماد السلف على الإجماع المنضبط

قال عبد الرزاق في “المصنف” (1280):

عن معمر، عن الزهري، قال :

الحائض تقضي الصوم، قلت عمن؟

قال: هذا ما اجتمع الناس عليه، وليس في كل شيء نجد الإسناد.

سنده صحيح.

وفيه فوائد منها:

  1. استدلال أئمة التابعين بالإجماع.
  2. عدم التقليد.
  3. سؤال السائل وطالب العلم شيخه عن دليله في فتواه.
  4. أن هناك مسائل في الشرع لم يثبت النص فيها، وإنما يستند فيها على الإجماع.

وﻻ تفهم أنه يستغنى عن الإسناد في مسائل الشرع، فلابد من ثبوت الدليل والشهرة فضلًا عن غيرها ﻻ تغني عن الإسناد كما هو المرجح عند علماء الحديث وطائفة من الأصوليين.

فائدة رقم١٢٦ : السبب الذي دعا البخاري ومسلم ترك الإخراج عن الشافعي في صحيحيهما

الإمام الشافعي أحد العلماء المعروفين، ولم يخرج البخاري ومسلم له شيء، ﻻ في الأصول وﻻ في المتابعات، فأثار بعض المتمذهبة هذه القضية وذكروا أنهما إنما أعرضا عن الإخراج له للطعن فيه.

فرد الحافظ الخطيب ذلك برسالة مفردة، ذكر فيها فوائد حسنة من تقرير سبب عدم إخراج الشيخين شيء للشافعي في صحيحيهما فقال ـ رحمه الله ـ (ص: 379):

(الذي نقول في تركه الإحتجاج بحديث الشافعي إنما تركه لا لمعنى يوجب ضعفه، لكن غني عنه بما هو أعلى منه، وذلك أن أقدم شيوخ الشافعي الثقات الذين روى عنهم: مالك بن أنس، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي، وداود بن عبد الرحمن العطار، وسفيان بن عيينة، والبخاري لم يدرك الشافعي، وروى عن من كان أكبر منه سنًا وأقدم منه سماعًا مثل: مكي بن إبراهيم البلخي، وعبيد الله بن موسى العبسي، وأبي عاصم الشيباني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري، وخلق يطول ذكرهم، وهؤلاء الذين سميتهم رووا عن بعض التابعين،

وحدثه أيضًا عن شيوخ الشافعي جماعة: كعبد الله بن مسلمة القعنبي، وعبد الله بن يوسف التنيسي، وإسماعيل بن أبي أويس، وعبد العزيز الأويسي، ويحيى بن قزعة، وأبي نعيم الفضل بن دكين، وخالد بن مخلد، وأحمد بن يونس، وقتيبة بن سعيد، وهؤلاء كلهم رووا عن مالك، ومنهم من روى عن الدراوردي، وكسعيد بن أبي مريم المصري، وأبي غسان النهدي، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وعلي بن المديني، وهؤلاء رووا عن سفيان بن عيينة وفيهم من يحدث عن داود بن عبد الرحمن العطار

وإذ قد بينا الوجه الذي لأجله خنى البخاري عن إخراج حديث الشافعي في صحيحه فمثله القول في ترك مسلم بن الحجاج إياه لإدراكه ما أدرك البخاري من ذلك).

عض عليها بالنواجذ فإنها نفيسة .

فائدة رقم١٢٧ : الأنفس التي حرم الله قتلها

قال الشيخ العثيمين في “اللقاء الشهري” رقم (60):

اﻟﻨﻔﺲ اﻟﺘﻲ ﺣﺮﻡ اﻟﻠﻪ ﻫﻲ:

أوﻻً: ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺆﻣﻦ.

ﺛﺎﻧﻴًﺎ: ﻧﻔﺲ اﻟﺬﻣﻲ.

ﺛﺎﻟﺜًﺎ: ﻧﻔﺲ اﻟﻤﻌﺎﻫﺪ.

اﺑﻌًﺎ: ﻧﻔﺲ اﻟﻤﺴﺘﺄﻣﻦ.

ﺃﺭﺑﻊ ﺃﻧﻔﺲ ﻣﺤﺮﻣﺔ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﺤﻖ .

أوﻻ: النفس اﻟﻤﺆﻣنة :

ﺃﻣَّﺎ اﻟﻤﺆﻣﻦ ﻓﻼ ﺇﺷﻜﺎﻝ ﻓﻴﻪ، ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا )، [ اﻟﻨﺴﺎء:93]

ﺧﻤﺲ ﻋﻘﻮﺑﺎت ﻭاﻟﻌﻴﺎذ ﺑﺎﻟﻠﻪ: ﺟﺰاﺅﻩ ﺟﻬﻨﻢ، ﻭﺧﺎﻟﺪًا ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻏﻀﺐ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻟﻌﻨﻪ، ﻭﺃﻋﺪ ﻟﻪ ﻋﺬاﺑﺎ ﻋﻈﻴﻤًﺎ.

ﺛﺎﻧﻴًﺎ: اﻟﺬﻣﻲ :

ﻭﺃﻣﺎ اﻟﺬﻣﻲ؛ ﻓﻸﻥ اﻟﺬﻣﻲ ﺳﺎﻛﻦ ﻣﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﺑﻠﺪﻧﺎ ﻭﺗﺤﺖ ﺣﻤﺎﻳﺘﻨﺎ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﻳﺒﺬﻝ اﻟﺠﺰﻳﺔ، ﻭاﻟﺬﻣﻲ ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ اﻟﺤﺎﺿﺮ ﻻ ﻧﻌﻠﻢ ﻟﻪ ﻭﺟﻮدًا.

ﺛﺎﻟﺜﺎً : اﻟﻤﻌﺎﻫﺪ :

اﻟﻤﻌﺎﻫﺪ ﻫﻮ: ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻋﻬﺪ ﺃﻥ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ اﻟﺒﻠﺪ ﻟﻜﻨﻪ ﻻ ﻳﺒﺬﻝ اﻟﺠﺰﻳﺔ، ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺠﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺣﻤﺎﻳﺘﻪ ﻭﻓﺎء ﺑﺎﻟﻌﻬﺪ، ﻭﻟﻬﺬا ﻗﺎل اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ : (ﻣﻦ ﻗﺘﻞ ﻣﻌﺎﻫﺪًا ﻟﻢ ﻳﺮﺡ ﺭاﺋﺤﺔ اﻟﺠﻨﺔ)، ﻭاﻟﻌﻴﺎذ ﺑﺎﻟﻠﻪ! ﻓﺎﻟﻤﻌﺎﻫﺪ ﻟﻪ ﺣﻖ ﻻ ﻳﺠﻮﺯ اﻟﻌﺪﻭان ﻋﻠﻴﻪ.

ﻭﻣﻦ ﻳﺘﻮﻟﻰ اﻟﻤﻌﺎﻫﺪﺓ ؟

 

ﺃﻳﺘﻮﻻﻫﺎ ﺭﻋﺎﻉ اﻟﻨﺎﺱ ﻭﻏﻮﻏﺎء اﻟﻨﺎﺱ، ﺃﻡ ﻭﻟﻲ اﻷﻣﺮ؟

ﻳﺘﻮﻻﻫﺎ ﻭﻟﻲ اﻷﻣﺮ، ﻓﺈﺫا ﻋﺎﻫﺪ ﻭﻟﻲ اﻷﻣﺮ ﺗﺎﺟﺮًا ﺃﻭ ﻣﻬﻨﺪﺳًﺎ ﺃﻭ ﻋﺎﻣﻼً ﺃﻭ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ؛ ﻓﻼ ﻳﺤﻞ ﻷﻱ ﻭاﺣﺪ ﻣﻦ اﻟﺮﻋﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﺆﺫﻳﻪ أو ﻳﻘﺘﻠﻪ.

ﺑﻞ ﻣﻦ ﻗﺘﻠﻪ ﻟﻢ ﻳﺮﺡ ﺭاﺋﺤﺔ اﻟﺠﻨﺔ ﻭاﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ! ﻓﻜﻴﻒ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ؟

ﻻ ﻳﺪﺧﻠﻬﺎ ﻭﻻ ﻳﺮح ﺭاﺋﺤﺘﻬﺎ، ﻭاﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﻟﻴﺴﺖ ﻓﻮﺿﻰ ﻛﻞ ﻭاﺣﺪ ﻳﻘﻮﻝ: ﺃﻧﺎ اﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﺃﻧﺎ اﻷﻣﻴﺮ، ﺃﻧﺎ اﻟﻤﺪﺑﺮ، ﺃﻧﺎ اﻟﺬي أﻛﺘﺐ اﻟﻌﻬﺪ، ﻭﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺫﻟﻚ، ﻓﺎﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺗﺮﺟﻊ ﻟﻮﻻﺓ اﻷﻣﻮﺭ.

اﺑﻌًﺎ : اﻟﻤﺴﺘﺄﻣﻦ :

ﻭاﻟﻤﺴﺘﺄﻣﻦ ﻻ ﻳﺒﻘﻰ ﻓﻲ ﺑﻼدﻧﺎ، ﺭﺟﻞ ﻣﻌﻪ ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﺑﻬﺎ اﻟﺒﻠﺪ ﻟﻴﺒﻴﻌﻬﺎ، ﺑﻀﺎﻋﺔ ﻣﺒﺎﺣﺔ، ﻓﻴﺪﺧﻞ ﻭﻧﻌﻄﻴﻪ اﻷﻣﺎن ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻳﺪﺧﻞ ﻭﻻ ﺃﺣﺪ ﻳﻌﺘﺪى ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺬا ﻫﻮ اﻟﺮاﺑﻊ ﻣﻦ اﻟﻨﻔﻮﺱ اﻟﻤﻌﺼﻮﻣﺔ اﻟﻤﺤﺮﻣﺔ.

 

فائدة رقم١٢٨ : أثر الرقية بالقرآن

قال أبو نعيم (170/6):

حدثنا محمد بن أحمد، والوليد بن أحمد، قالا: ثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا محمد بن يحيى، ثنا عبيد الله بن محمد التيمي، ثنا صالح المري، قال:

(أصاب أهلي ريح الفالج فقرأت عليها القرآن ففاقت، فحدثت به غالبا القطان فقال: « وما تعجب من ذلك والله لو أنك حدثتني أن ميتًا قرئ عليه القرآن فحيي ما كان ذلك عندي عجبًا »).

سنده صحيح عن صالح المري.

الرقية إذا صدرت من مخلص صادق مع ربه فإن أثرها عظيم، سواء كان مسًّا شيطانيًا، أو مرضًا حسيًا آخر .

قال الله تعالى : ((وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )).

فائدة رقم١٢٩ : من سنن السلف

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة في “المصنف”:

ﻣﻦ ﻛﺎ ﻳﺴﺘﺤﺐ ﺇﺫا ﺧﻞ اﻟﺮﺟﻞ ﻣﻜﺔ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺨﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﺮ اﻟﻘﺮﺁﻥ

(15373) ﻧﺎ ﺟﺮﻳﺮ، ﻋﻦ ﻣﻨﺼﻮﺭ، ﻋﻦ ﺇﺑﺮاﻫﻴﻢ ﻗﺎﻝ: «ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺒﻮﻥ ﺇﺫا ﺩﺧﻠﻮا ﻣﻜﺔ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺨﺮﺟﻮا ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺘﻤﻮا اﻟﻘﺮﺁﻥ».

سنده صحيح.

قوله (ﻛﺎﻧﻮا ﻳﺤﺒﻮﻥ): بعضهم يجعله إجماعًا.

والصحيح أنه قد يكون قول الأكثر.

وهذا فيه تنبيه لمن يذهب إلى مكة أن ﻻ يضييع أوقاته في الفرجة والحديث مع الزملاء والأصحاب وليكن من همته ختم المصحف نظرًا أو غيبًا.

تكتب له الأجور وتضاعف له الحسنات، مع الاستفادة من دروس العلماء في الحرمين الشريفين.

نسأل الله أن يوفق عباده لما فيه الخير.

فائدة رقم١٣٠ : الرغبة في الاستمرار على النكاح الشرعي إلى مفارقة الحياة

قال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ في “المصنف” (16663):

ﺣﺪﺛﻨﺎ  ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ: ﻧﺎ ﺇﺳﺮاﺋﻴﻞ، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ إسحاق، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻳﺰﻳﺪ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ، ﻗﺎﻝ:

«ﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻣﻦ اﻟﺪﻫﺮ ﺇﻻ ﻟﻴﻠﺔ، ﻷﺣﺒﺒﺖ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ اﻟﻠﻴﻠﺔ اﻣﺮﺃﺓ».

سنده صحيح.

فيه الحث على الزواج والإستمرار على ذلك وكراهية التأيم.

فائدة رقم١٣١ : ملاحظة العبد لنفسه في الإخلاص في الصلاة

قال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله ـ (8628):

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ أﺑﻮ اﻷﺣﻮص، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎق، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ اﻷﺣﻮص ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ـ رضي الله عنه ـ، قال: ( ﻣﻦ ﺻﻠﻰ ﺻﻼﺓ ﻭاﻟﻨﺎﺱ ﻳﺮﻭﻧﻪ ﻓﻠﻴﺼﻞِّ ﺇﺫا ﺧﻼ ﻣﺜﻠﻬﺎ، وإﻻ ﻓﺈﻧﻤﺎ ﻫﻲ اﺳﺘﻬﺎﻧﺔ ﻳﺴﺘﻬﻴﻦ ﺑﻬﺎ ﺭﺑﻪ»،

سنده صحيح.

  • ﺣﺪﺛﻨﺎ أبو اﻷﺣﻮص، ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺇﺳﺤﺎق، ﻋﻦ ﺭﺟﻞ، ﻋﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ، ﻣﺜﻠﻪ.

سند ضعيف؛ وﻻ يعل به الأول.

فأبو الأحوص حافظ يحمل الوجهين فأكثر.

وهذا الأثر فيه مقياس عظيم لكل مصلي.

نسأل الله أن يرزقنا الإخلاص له.

فائدة رقم ١٣٢: موقف الشافعي من أبي حنيفة ـ رحمهما الله ـ

قال ابن أبي حاتم في “آداب الشافعي” (ص:171-172):

ﻗﺎﻝ: ﺛﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻜﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺩﺭﻳﺲ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ:

«ﻧﻈﺮت ﻓﻲ ﻛﺘﺐ ﻷﺻﺤﺎب ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ، ﻓﺈﺫا ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎﺋﺔ ﻭﺛﻼﺛﻮﻥ ﻭﺭﻗﺔ، ﻓﻌﺪﺩﺕ ﻣﻨﻬﺎ ﺛﻤﺎﻧﻴﻦ ﻭﺭﻗﺔ، ﺧﻼف اﻟﻜﺘﺎب ﻭاﻟﺴﻨﺔ» .

ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﻣﺤﻤﺪ:

ﻷﻥ اﻷﺻﻞ ﻛﺎﻥ ﺧﻄﺄ، ﻓﺼﺎرت اﻟﻔﺮﻭﻉ ﻣﺎﺿﻴﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺨﻄﺄ.

ﻗﺎﻝ ﺃﺑﻲ: ﺛﻨﺎ ﻫﺎﺭﻭﻥ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ اﻷﻳﻠﻲ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ ﻳﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﺣﺪًا ﻭﺿﻊ اﻟﻜﺘﺐ ﺃﺩﻝ ﻋﻠﻰ ﻋﻮاﺭ ﻗﻮﻟﻪ ﻣﻦ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ».

ﺛﻨﺎ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻨﺎﻥ اﻟﻮاﺳﻄﻲ، ﻗﺎﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺩﺭﻳﺲ اﻟﺸﺎﻓﻌﻲ، ﻳﻘﻮﻝ: «ﻣﺎ ﺃﺷﺒﻪ ﺭﺃﻱ ﺃﺑﻲ ﺣﻨﻴﻔﺔ ﺇﻻ ﺑﺨﻴﻂ ﺳﺤﺎﺭﺓ، ﺗﻤﺪﻩ ﻫﻜﺬا ﻓﻴﺠﻲء ﺃﺻﻔﺮ، ﻭﺗﻤﺪﻩ ﻫﻜﺬا ﻓﻴﺠﻲء ﺃﺧﻀﺮ».

هذه الآثار أسانيدها ثابتة.

هذه قطرة من مطرة وغيض من فيض من كلام أهل العلم في أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ.

ولكن ذهب المتأخرون إلى ذكره في الأئمة المعتبرين.

وذهب علماء الدعوة في أرض الحجاز ونجد إلى الكف عنه وعدم نقل  قول المتقدمين فيه.

ولكن المتأمل في كلام العلماء يجد الأمر على خلاف ذلك.

من ذلك أثر الشافعي الأول.

فائدة رقم ١٣٣: من عقاب الله لمن استهان بسنة نبيه

قال أبو الحسين في “الطيوريات” (198):

ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ اﻟﺤﺴﻦ ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﻋﺒﻴﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻌﻜﺒﺮﻱ ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻳﻌﻘﻮﺏ اﻟﻤﺘﻮﺛﻲ  ﻳﻘﻮﻝ: ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﺩاﻭﺩ اﻟﺴﺠﺴﺘﺎﻧﻲ ﻳﻘﻮﻝ:

(ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﺻﺤﺎﺏ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺭﺟﻞ ﺧﻠﻴﻊ، ﻟﻤﺎ ﺃﻥ ﺳﻤﻊ ﺑﺤﺪﻳﺚ اﻟﻨﺒﻲ ـ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ـ : ( إﻥ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﺗﻀﻊ ﺃﺟﻨﺤﺘﻬﺎ ﻟﻄﺎﻟﺐ اﻟﻌﻠﻢ ﺭﺿﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﺼﻨﻊ)، ﻓﺠﻌﻞ ﻓﻲ ﻧﻌﻠﻴﻪ ﺣﺪﻳﺪ ﻣﺴﺎﻣﻴﺮ، ﻭﻗﺎﻝ: ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﻃﺄ ﺃﺟﻨﺤﺔ اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻓﺄﺻﺎﺑﺘﻪ اﻷﻛﻠﺔ ﻓﻲ ﺭﺟﻠﻪ).

سنده صحيح.

وهذه سنة الله فيمن استهان بشرعه أو أنبيائه وما جاؤوا به.

فائدة رقم ١٣٤: الإشارة في إثبات الصفات
  1. الإشارة إلى علو الله تعالى:

عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في قصة الحج أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:

( وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله، وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟) قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت، فقال: بإصبعه السبابة، يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس ( اللهم، اشهد، اللهم، اشهد)، ثلاث مرات.  متفق عليه.

ويدل على ذلك الأحاديث الواردة في رفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ  ليديه في الدعاء كحديث أنس في الاستسقاء، قال شيخ الإسلام  في كتابه “بيان تلبيس الجهمية” ( 4/497):

( إن الإشارة إلى فوق : إلى الله في الدعاء، وغير الدعاء، باليد والأصبع أو العين أو الرأس أو غير ذلك من الإشارات الحسية، قد تواترت به السنن عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، واتفق عليه المسلمون وغير المسلمين.

قال تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )،  [البقرة 144] …

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلًا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجارية سوداء عجمية فقال: يا رسول الله علي عتق رقبة مؤمنة، فقال لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أين الله)؛ قالت: في السماء). أخرجه مسلم.

  1. الإشارة باليدين والقبض والبسط:

عن عبيد الله بن مقسم، أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (يأخذ الله عز وجل سماواته وأرضيه بيديه، فيقول: أنا الله – ويقبض أصابعه ويبسطها – أنا الملك )، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟. أخرجه مسلم، وأخرجه أحمد  وفي لفظه :(ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: هكذا بيده ويحركها يقبل بها ويدبر). وسنده صحيح.

  1. الإشارة بالخنصر :

قال الترمذي ـ رحمه الله ـ في “جامعه” (3074 ):

حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن، قال: أخبرنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: قرأ هذه الآية: (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا )، قال حماد: هكذا، وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى قال: فساخ الجبل (وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا).

هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه العلامة الألباني، وأخرجه أحمد ولفظه:

عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوله تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ )، [الأعراف: 143] قال: ( قال: هكذا، يعني أنه أخرج طرف الخنصر ) قال: أبي: ( أراناه معاذ ) قال: فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد؟، قال: فضرب صدره ضربة شديدة، وقال: من أنت يا حميد؟ وما أنت يا حميد، يحدثني به أنس بن مالك، عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فتقول أنت ما تريد إليه ).

و إسناده صحيح .

ورواه أيضا مرفوعا بلفظ : (فأومأ بحنصره قال فساخ ). و إسناده صحيح .

  1. الإشارة إلى الأذن والعين:

وعن  أبي يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة، قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا)، إلى قوله تعالى: (سَمِيعًا بَصِيرًا) [النساء: 58]، رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس: قال المقرئ: يعني: أن الله سميع بصير، يعني: أن لله سمعًا، وبصراً .

أخرجه أبو داود.

قال أبو داود: ( وهذا رد على الجهمية).

والحديث صححه اللاكائي والألباني.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في “شرح الأصفهانية” (ص: 510 ):

(ﻻريب أن مقصوده بذلك تحقيق الصفة ﻻتمثيل الخالق بالمخلوق فلو كان السمع والبصر العلم لم يصح ذلك).

قال ابن القيم رحمه الله في “الصواعق” (1/396):

(وكذا لما قرأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وَكَانَ اللَّـهُ سَمِيعًا بَصِيرًا)، وضع إبهامه على أذنه وعينه رفعًا لتوهم أن السمع والبصر غير الصفتين المعلومتين ).

  1. الإشارة إلى العينين:

عن نافع، عن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ، قال: ذكر الدجال عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: ( إن الله لا يخفى عليكم، إن الله ليس بأعور ـ وأشار بيده إلى عينه ـ، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية ).أخرجه البخاري.

قال الدارمي في “النقض على المريسي” (ص:144) :

(ففي تأويل قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الله ليس لأعور )، بيان أنه بصير ذو عينين خلاف الأعور).

حكم إشارة المتكلم إلى جارحته عند الكلام عن صفة من صفات الله مشابه في الاسم

قال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في “شرح الواسطية”(211/1):

فإن قلت: هل لي أن أفعل كما فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟

فالجواب: من العلماء من قال: نعم، افعل كما فعل الرسول، لست أهدى للخلق من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولست أشد تحرزًا من أن يضاف إلى الله ما لا يليق من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

ومنهم من قال: لا حاجة إلى أن تفعل ما دمنا نعلم أن المقصود هو التحقيق فهذه الإشارة إذا غير مقصودة بنفسها، إنما هي مقصودة لغيرها، وحينئذ، لا حاجة إلى أن تشير، لا سيما إذا كان يخشي من هذه الإشارة توهم الإنسان التمثيل، كما لو كان أمامك عامة من الخلق لا يفهمون الشيء على ما ينبغي، فهذا ينبغي التحرز منه، ولكل مقام مقال.

وقال ـ رحمه الله ـ في ” القول المفيد” (2/531):

(فإن قلت: هل نفعل بأيدينا كما فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟

فالجواب: أن هذا يختلف بحسب ما يترتب عليه فليس كل من شاهد أو سمع يتقبل ذهنه ذلك بغير أن يشعر بالتمثيل، فينبغي أن نكف؛ لأن هذا ليس بواجب حتى نقول: يجب علينا أن نبلغ كما بلغ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقول والفعل، أما إذا كنا نتكلم مع طلبة علم، أو مع إنسان مكابر ينفي هذا، ويريد أن يحول المعنى إلى غير الحقيقة، فحينئذ نفعل كما فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

فلو قال قائل: إن الله سميع بصير، لكن قال: سميع بلا سمع وبصير بلا بصر، مع أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ حين قرأ قول تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّـهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)،  وضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه،  وأبو هريرة حين حدث به كذلك، فهذا الإنسان الذي يقول: إن الله سميع بلا سمع بصير بلا بصر نقول له هكذا.

وكذلك الذي ينكر حقيقة اليد ويقول: إن الله لا يقبض السماوات بيمينه، وأن معنى قبضته، أي: في تصرفه، فهذا نقول له كما فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

فالمقام ليس بالأمر بالسهل، بل هو أمر صعب ودقيق للغاية، فإنه يخشى من أن يقع أحد في محذور كان بإمكانك أن تمسك عنه، وهذا هو فعل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جميع تصرفاته إذا تأملتها، حتى الأمور العملية قد يؤجلها إذا خاف من فتنة أو من شيء أشد ضررًا، كما أخر بناء الكعبة على قواعد إبراهيم خوفًا من أن يكون فتنة لقريش الذين أسلموا حديثًا ).

 

 

فائدة رقم١٣٥: التدرج في أحوال السماء وتبدلها يوم القيامة

أخبرنا الله في كتابه عن إحكام السماء، هذا الفلك العظيم الذي خلقه الله ـ جل في علاه ـ وأبدع خلقه، وأخبرنا بتغييره يوم القيامة وأن تغييره حاصل ﻻ محالة :

أولًا:  الدليل على تبدل السموات يوم القيامة:

قال تعالى: (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّـهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) [إبراهيم: ٤٨].

ومذهب أهل السنة والجماعة إثبات تبدل السموات يوم القيامة، وأنه تبدل وتغير حقيقي، واختلفوا فيما تبدل إليه على أقوال:

  • أحدها: تبدل السماوات إلى ذهب.
  • الثاني: تبدل السماوات إلى جنات.
  • الثالث: أن تبدل السماوات هو: اختلاف أحوالها فمرة كالمهل ومرة تكون كالدهان.
  • الرابع: أن تبدل السماوات هو : أنها تطوى.
  • الخامس: أن تبدل السماوات هو : تشققها فلا تظل على حالها.
  • السادس: أن هناك من قال بأن التبدل للسماء يقع مرتين، مرة تبدل صفات والأخرى تبدل في الذات.

يقول ابن حجر ـ رحمه الله ـ : (… أن تبديل السماوات والأرض يقع مرتين، إحداهما تبدل صفاتهما فقط وذلك عند النفخة الأولى فتنثر الكواكب وتخسف الشمس والقمر وتصير السماء كالمهل وتكشط عن الرؤوس وتسير الجبال وتموج الأرض وتنشق إلى أن تصير الهيئة غير الهيئة، ثم بين النفختين تطوى السماء والأرض  وتبدل السماء والأرض …).

والراجح والله أعلم القول الثالث والرابع، فهي وإن اختلفت ألفاظها فمعناها واحد، وهذا ما رجحه ابن الجوزي من أن تبدل السماء المذكور في هذه الآية هو تغير لصفاتها فقط لا ذاتها فهو تغييرها عن حالها التي كانت عليها في الدنيا إلى حال أخرى وهذا ما ذهب إليه كثير من المفسرين،

فعن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ) [الانشقاق:١٩]، قال هي السماء تشقق ثم تحمر ثم تنفطر.

ثانيًا: الأطوار التي تمر بها السماوات لتغييرها :

تمر السماوات بقدرة الله في تغييرها على مراحل والله على كل شيء قدير، لكن دلت الأدلة على ذلك، وذلك التغيير يجري كالتالي والله أعلم:

الأول: المور فهو أول تغير للسماء يوم القيامة :

قال تعالى: (يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا ) [الطور: ٩]، فالسماء تمور وتتحرك ويموج بعضها في بعض، وتضطرب وتتشقق، ويحدث بها تغيرات كثيرة تبعًا لذلك، فالمور بمعنى: التحرك والاضطراب، فتحصل أمور كثيرة تبعًا لهذا منها التشقق وغيره.

ثانيًا: الانشقاق: ويحدث للسماء يوم القيامة بعد المور :

قال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ ) [الانشقاق:١]، ويحصل الانشقاق تبعًا للمور، يقول الطبري: عن السماء (إنها تتغير ضروبًا من التغيير  وتشقق بالغمام مرة وتحمر أخرى فتصير وردة كالدهان وتكون أخرى كالمهل …).

الدليل على أن السماء تكون بعد الانشقاق كالوردة قوله تعالى: (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ) [الرحمن: ٣٧]، فهنا حصل الانشقاق أولًا، ثم تلاه كونها كالواردة، ثم تكون واهية:

والدليل على أن السماء تكون بعد الانشقاق واهية قوله تعالى: (وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ) [الحاقة: ١٦]، وبعد الانشقاق صارت واهية وضعيفة وقد ذكر بعض المفسرين أن الوهي يكون بمعنى التشقق.

ثالثًا: الانفطار والانفراج الذي يصيب السماء :

قال تعالى: (إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ ) [الانفطار: ١]،

وقال تعالى: (وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ ) [المرسلات: ٩]،

فالسماء يوم القيامة بعد القيامة بعد المور تتشقق وتتفطر وتتفرج وكل هذه الكلمات بمعنى واحد.

قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عند قوله (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ ) [الانشقاق:١٩]:

(هي السماء تتشقق ثم تحمر ثم تنفطر، وقال ابن عباس حالا بعد حال).

رابعًا: أن تكون السماء وردة كالدهان :

قال تعالى: (فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) [الرحمن: ٣٧]،

أكثر المفسرين مجمعون على أن التحولات والتغيرات التي تحصل للسماء يوم القيامة متتابعة بعد الانشقاق، فتكون وردة كالدهان، و تكون  أخرى كالمهل، مستدلين بأدلة من كتاب الله  لكن وقع خلاف بينهم في أي هذه التغيرات تلي الانشقاق فقال بعضهم: إن السماء تتحول إلى وردة كالدهان قبل تحولها إلى المهل والبعض الآخر ذكر العكس.

والله أعلم أن السماء بعد تشققها وتفطرها وتعرضها للحرارة تذوب فتكون كالوردة في الصفة واللون، ثم تذوب أكثر عند اشتداد الحرارة فتكون كالمهل والدهان والزيت كما هو معلوم أكثر سيولة من الدهن.

يقول ابن حجر ـ رحمه الله ـ : (  جمع بعضهم بأنها تنشق أولًا فتصير كالوردة وكالدهان وواهية وكالمهل وتكور الشمس والقمر وسائر النجوم ثم تطوى السماوات …).

خامسًا: أن تكون السماء كالمهل:

يقول تعالى: (يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ ) [المعارج: ٨]، أي: كالزيت الذائب من شدة الحرارة.

فهي تصير إلى هذه الصفة بعد انشقاقها وتحولها إلى وردة.

سادسًا: كشط السماء وطيها:

قال تعالى: (وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ ) [التكوير: ١١]،

بعض المفسرين جعل الكشط هو الطي،

لكن الظاهر والله أعلم أن هناك فرق بين الكشط الذي هو نزع وقلع السماء، والذهاب بها وهذا قد يكون بدون لف. وبين الطي الذي هو: لف السماء فيأتي بعد الكشط.

يقول البيهقي: (والسماء تتفطر وتصير كالمهل فتطوى كما يطوى الكتاب)، ويقول القرطبي: ( انكشط أي ذهب فالسماء تنزع من مكانها كما ينزع الغطاء  عن الشيء، وقيل: تطوى كما قال تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ) [الأنبياء: ١٠٤]، فكأن المعنى قلعت فطويت والله أعلم).

سابعًا: أن السماء تتفتح كالأبواب:

قال تعالى: (وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا ) [النبأ: ١٩]، فحصول الأبواب يكون بعد التشقق، قال تعالى:  (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا) [الفرقان: ٢٥].

الفائدة رقم : ١٣٦ : النائب في الحج إذا أخلص وصدق يرجى له أجر حجة

قال أبو بكر بن أبي شيبة ( 16207):

  • نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ،  عَنِ الْحَسَنِ؛ فِي الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، قَالَ : (يُجْزِئُهُ ).

سنده صحيح.

  • نَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ : ( إنَّ اللَّهَ لَوَاسِعٌ لَهُمَا جَمِيعًا ).

سنده صحيح.

وداود هو ابن أبي هند.

  • نَا عَبْدُ اللهِ بْنُ إدْرِيسَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ؛ فِي الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنِ الرَّجُلِ، قَالَ : ( يُرْجَى لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ).

سنده صحيح.

وهذا يكون على حسب نية الحاج عن غيره من حيث صدقه وإخلاصه.

هذا بالإضافة إلى أعمال البر الأخرى الخاصة به من قراءة القرآن، والذكر، والصلاة في الحرمين، وكثرة النوافل.

وكل على حسب إخلاصه واجتهاده.

نسأل الله من فضله.

الفائدة رقم : ١٣٧: حكم التساند ﺇلي اﻟﻘﺒﻠﺔ

يوفق الله بعض الناس للصلاة في الصف الأول؛ ومن رزق الإخلاص في ذلك، وتخلى عن الرغبة في إظهار ذلك عند الناس، والتماس الثناء والمكانة بذلك عند الناس، فالمسابقة لهذا الخير والمداومة على ذلك، عبادة عظيمة حث عليها نبينا ـ صلى عليه وسلم ـ، ودرج عليها أفاضل الصحابة والتابعين.

لكن بعض الناس ما أن يسلم وإذا به يستلقي على جدار القبلة، وربما يقلب نظره في المصلين يمنة ويسرة، وهذا مكروه عند أهل العلم.

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة في “المصنف”  ( 6591) :

  • حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ : ( كَانُوا يَكْرَهُونَ التَّسَانُدَ إِلَى الْقِبْلَةِ بَعْدَ رَكْعَتَيَ الْفَجْرِ).

سنده صحيح.

  •  حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَأَى أُنَاسًا قَدْ تَسَانَدُوا إِلَى الْقِبْلَةِ .

قَالَ : فَقَالَ لَهُم عَبْدُ اللهِ : (هَكَذَا، عَنْ وُجُوهِ الْمَلاَئِكَةِ ؟ )

سنده ضعيف المسعودي  مختلط.

  • حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ : دَخَلَ عَبْدُ اللهِ الْمَسْجِدَ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ، فَإِذَا قَوْمٌ قَدْ أَسْنَدُوا ظُهُورَهُمْ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَقَالَ :

( تَنَحَّوْا عَنِ الْقِبْلَةِ، لاَ تَحُولُوا بَيْنَ الْمَلاَئِكَةِ وَبَيْنَ صَلاَتِهَا، وَإِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ صَلاَةُ الْمَلاَئِكَةِ) .

صحيح.

وقال الجراعي  في “تحفة الراكع والساجد”:

الحكم السادس والثلاثون:

يكره أن يسند ظهره إلى القبلة.

قال أحمد :هذا مكروه.

وصرح القاضي بالكراهة.

قال إبراهيم: كانوا يكرهون أن يتساندوا إلى القبلة قبل صلاة الفجر، رواه أبوبكر النجار.

قال في “الفروع”:  اقتصر أكثر الأصحاب على استحباب استقبالها،  فتركه ـ يعني :ترك الإستناد ـ أولى، ولعل هذا أولى …). وكلامه طويل فراجعه إن شئت.

أقول ومن آثار هذا الفعل :

  1. المخالفة لما كان عليه أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فنقل النخعي السابق يفيد كراهتهم لذلك،  والكراهة عند السلف تفيد التحريم على ما حرره ابن القيم في “إعلام الموقعين”.
  2. تعريض نفسه وعمله للرياء وما شابهه مما يؤثر على عمله العظيم.
  3. شغله للمصلين بنظره إليهم ونظرهم إليه.

فمن رزق الصلاة في الصف الأول أو غيره ـ كالمصلين بقرب الجدار من جهة اليمين والشمال ـ؛ فليلزم مكانه فهو أتبع للسنة وأعظم للأجر وأسلم للعمل.

الفائدة رقم : ١٣٨: تعظيم شعائر الله

قال الله تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) [ الحج: 32].

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة في “المصنف” (14727) :

حدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَطَاءٍ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ شَعَائِرِ اللهِ ؟ فَقَالَ :

( حرُمَاتُ اللهِ، اجْتِنَابُ سَخَطِ اللهِ، وَاتِّبَاعُ طَاعَتِهِ، فَذَلِكَ شَعَائِرُ اللهِ).

سنده حسن.

عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي، ثقة اختلط بآخره لكن لم يضره؛ لأنه حجب زمن تغيره.

وحبيب المعلم صدوق.

وعطاء هو ابن أبي رباح.

الفائدة رقم : 139 قول بعض السلف فيمن مات ولم يحج وهو موسر

قال ابن أبي شيبة في “المصنف” (15054):

فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَمْ يَحُجَّ وَهُوَ مُوسِرٌ

  • حدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ سَلاَّ مُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

( مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ، لَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضٌ حَابِسٌ، أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ، أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ، فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ، يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا).

حديث مرسل ضعيف السند.

فيه ليث هو ابن أبي سليم سيئ الحفظ، وله أوجه أخرى لا يثبت شيء منها.

  • حدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ : قَالَ الأَسْوَدُ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ مُوسِرٍ : ( لَوْ مِتَّ وَلَمْ تَحُجَّ ، لَمْ أُصَلِّ عَلَيْكَ ).

سنده صحيح.

  • حدَّثَنَا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ مُجَاهِدِ بْنِ رُومِيٍّ، وَكَانَ ثِقَةً، قَالَ : سَأَلَتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَن بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ مَعْقِلٍ، عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ، وَهُوَ مُوسِرٌ ؟.

فَقَالَ سَعِيدٌ : النَّارَ ، النَّارَ ،

وَقَالَ ابْنُ مَعْقِلٍ : مَاتَ وَهُوَ لِلَّهِ عَاصٍ ،

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى : إِنِّي لأَرْجُو إِنْ حَجَّ عَنْهُ وَلِيَّهُ.

سنده صحيح.

فائدة رقم :١٤٠:صحبة من يحتاج إلى المداراة

قال البيهقي ـ رحمه الله ـ في “الشعب” ( 9063 ) :

أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ، بِهَمْدَانَ، نَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْدَانَ بْنِ سُفْيَانِ، نَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ:

( لَا خَيْرَ لَكَ فِي صُحْبَةِ مَنْ تَحْتَاجُ إِلَى مُدَارَاتَهِ ).

سنده حسن.

النفس تأنس بوجود الأصحاب الناصحين المبتغين لك الخير، وما سمي الإنس بهذا إلا لأنس بعضهم ببعض.

ولكن هناك من قد تصحبه وتداريه في بعض الأحيان؛ فينتفع بذلك وتصلح صحبته، وتزداد محبته ونصحه وقربه.

وهناك من تكون صحبته على وجه المداراة فهذا صحبته تعب، فصاحبه مصاحبتك للمسلمين عمومًا، وإياك أن تأمنه على سر؛ فإنه ما أن تنقطع مداراتك إلا وينصب لك ما تكره.

 

فائدة رقم: ١٤١ : موقف مشرف للدار قطني في حق الصحابة

قال الحافظ ابن عساكر ـ رحمه الله ـ  في “تاريخ دمشق”(39/509)  :

أنبأنا بن القشيري، عن أبي سعيد محمد بن علي بن محمد الخشاب. أنا أبو عبد الرحمن السلمي قال : قال الشيخ أبو الحسن الدار قطني :

(اختلف قوم من أهل بغداد من أهل العلم،

فقال قوم:  عثمان أفضل،

وقال قوم: علي أفضل،

فتحاكموا إليَّ فيه فسألوني عنه، فأمسكت عنه، وقلت: الإمساك عنه خير.

ثم لم أرَ لديني السكوت قلت: دعهم يقولون في ما أحبوا، فدعوتُ الذي جاءني مستفتيًا، وقلتُ:

ارجع إليهم وقل أبو الحسن يقول: عثمان بن عفان أفضل من علي بن أبي طالب باتفاق جماعة أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، هذا قول أهل السنة وهو أول عقد يحل في الرفض).

فائدة رقم : ١٤٢ :التفاؤل بالخير فيما قد يظن به غير ذلك

قال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” (34877 ) ـ:

حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ :

( كَانَ رَجُلٌ بِالْبَادِيَةِ لَهُ كَلْبٌ وَحِمَارٌ وَدِيكٌ )، قَالَ : (فَالدِّيكُ يُوقِظُهُمْ لِلصَّلاَةِ، وَالْحِمَارُ يَنْقُلُونَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، وَيَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيَحْمِلُونَ لَهُمْ خِبَاءَهُمْ، وَالْكَلْبُ يَحْرُسُهُمْ،

فَجَاءَ ثَعْلَبٌ فَأَخَذَ الدِّيكَ فَحَزِنُوا لِذَهَابِ الدِّيك، وَكَانَ الرَّجُلُ صَالِحًا، فَقَالَ : (عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا) ،

قَالَ : فَمَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ جَاءَ ذِئْبٌ فَشَقَّ بَطْنَ الْحِمَارِ فَقَتَلَهُ، فَحَزِنُوا لِذَهَابِ الْحِمَارِ، فَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ : ( عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا )،

ثُمَّ مَكَثُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ أُصِيبَ الْكَلْبُ، فَقَالَ : الرَّجُلُ الصَّالِحُ : (عَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا )،

فَلَمَّا أَصْبَحُوا نَظَرُوا فَإِذَا هُوَ قَدْ سُبِيَ مِنْ حَوْلِهِمْ وَبَقُوا هُمْ) ،

قَالَ : (فَإِنَّمَا أُخِذُوا أُولَئِكَ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الصَّوْتِ وَالْجَلَبَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ أُولَئِكَ شَيْءٌ يَجْلُب، قَدْ ذَهَبَ كَلْبُهُمْ وَحِمَارُهُمْ وَدِيكُهُمْ ).

سنده صحيح.

أبو أسامة هو حماد بن أسامة.

وناقل هذه الحكاية هو أحد علماء المسلمين في زمن التابعين.

وما نقلها هذا العالم إلا لما فيها من الحكمة الإلهية الخفية.

فعند الله حكم بالغة فيما يجريه على عباده.

والعبد الموفق يحسن عبادة ربه، ويحسن به الظن فيما يمضيه عليه من أقداره؛  فيجعل الله له الخير العظيم في ذلك حالًا ومستقبلًا والله على كل شيء قدير.

فائدة رقم : 143 : من تعظيم القرآن ﻻ يجعل في درج الكلام كأنه من كلام المتكلم وﻻ يستدل على بعض الحوادث اليومية الحاصلة

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ـ رحمه الله في “ﻓﻀﺎﺋﻞ اﻟﻘﺮﺁﻥ”  (141) ـ :

حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ النَخَعِي ـ رحمه الله ـ قَالَ:

(كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَتْلُوَ الْآيَةَ عِنْدَ الشَّيْءِ يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا) .

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَكَذَلِكَ َالرَّجُل يُرِيدُ لِقَاءَ صَاحِبِهِ، أَوْ يَهُمُّ بِحَاجَتهِ، فَتَأْتِيهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ، فَيَقُولُ كَالْمَازِحِ: (جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى) [طه: 40]،

فَهَذَا مِنَ الِاسْتِخْفَافِ بِالْقُرْآنِ،

وَمِنْهُ قَوْلُ ابْنِ شِهَابٍ: ( لَا تُنَاظِرْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ).

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: يَقُولُ: لَا تَجْعَلْ لَهُمَا نَظِيرًا مِنَ الْقَوْلِ وَلَا الْفِعْلِ .

فائدة رقم : 144 : طريقة البخاري ومسلم في الإخراج عن بعض من مس بنوع من الجرح

في الصحيحين عدد من الرواة الذين مس بنوع من الجرح وهم على أقسام :

  1. من جرح بتعنت، والعمل على توثيقه.
  2. من جرح بجرح ثابت فيه لكنه خفيف، ﻻ ينزله عن درجة أهل الصدق.
  3. من جرح بجرح ثابت من جهة حفظه، وهؤلاء يخرج الشيخان عنهم على وجه الإنتقاء.
  4. من الجرح فيه شديد، وهم قلة جدًا .

ومن هؤلاء من أخرجا عنهم في الأصول وذلك قليل على وجه الإنتقاء، ومنهم من أخرجا عنه في المتابعات وذلك أكثر.

وقد صنف الحافظ العراقي ـ رحمه الله ـ في ذلك كتابًا سماه: “التوضيح لمن مس بنوع من التجريح”.

وقال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله في “شرح العلل” ( 2 / 708 )ـ:

تنبيه: اعلم أنه قد يخرج في الصحيح لبعض من تُكلم فيه، إما متابعة واستشهادًا وذلك معلوم.

وقد يخرج من حديث بعضهم ما هو معروف عن شيوخه من طرق أخرى، ولكن لم يكن وقع لصاحب الصحيح ذلك الحديث إلا من طريقه، إما مطلقًا أو بعلو، فإذا كان الحديث معروفًا عن الأعمش صحيحًا عنه، ولم يقع لصاحب الصحيح عنه بعلو، إلا من طريق بعض من تكلم فيه من أصحابه خرجه عنه.

قال أبو عثمان سعيد بن عثمان البرذعي: شهدت أبا زرعة، وأنكر على مسلم تخريجه لحديث أسباط بن نصر، وقطن بن نسير، وروايته عن أحمد بن عيسى المصري، في كتابه الصحيح، في حكاية طويلة ذكرها.

قال: فلما رجعت إلى نيسابور، ذكرت ذلك لمسلم، فقال: إنما أدخلت من حديث أسباط، وقطن بن نسير، وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم، إلا أنه ربما وقع إلي عنهم بارتفاع، ويكون عندي من رواية أوثق منهم بنزول، فاقتصر على أولئك، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات انتهى.

وهذا قسم آخر ممن خرج له في الصحيح على غير وجه المتابعة والاستشهاد، ودرجته تقصر عن درجة رجال الصحيح عند الإطلاق.

وقال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله في “هدي الساري” (2/ 419) ـ :

( وَالْحكم فِي أَمْثَال هَؤُلَاءِ الشُّيُوخ الَّذين لَقِيَهُمْ البُخَارِيّ، وميز صَحِيح حَدِيثهمْ من سقيمه، وَتكلم فيهم غَيره أَنه لَا يَدعِي أَن جَمِيع أَحَادِيثهم من شَرطه فَإِنَّهُ لَا يخرج لَهُم إِلَّا مَا تبين لَهُ صِحَّته وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنه مَا أخرج لعُثْمَان ـ يعني : ابن يحيى السهمي ـ هَذَا فِي صَحِيحه سوى ثَلَاثَة أَحَادِيث أَحدهَا مُتَابعَة فِي تَفْسِير سُورَة الْبَقَرَة).

فائدة رقم : 145 : على قدر ما في قلبك لربك يقدرك الخلق

قال المحدث أبو علي بن حمكان ـ رحمه الله في “الفوائد والأخبار” (53) ـ :

حدثنا عَتَّابُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ وهبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ معاذٍ ـ رحمه الله ـ يَقُولُ:

( عَلَى قَدْرِ خَوْفِكَ مِنَ اللَّهِ يَهَابُكَ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ حُبِّكَ لِلَّهِ يُحِبُّكَ الْخَلْقُ، وَعَلَى قَدْرِ شُغْلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ يَشْتَغِلُ الْخَلْقُ بأمرك).

فائدة رقم : ١٤٦ : منهج الاستدلال عند حبر الأمة

قال ابن وهب ـ رحمه الله في “الجامع” (1227) ـ :

سَمِعْتُ سُفْيَانَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ

إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ هُوَ فِي كِتَابِ اللهِ قَالَ بِهِ،

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ وَقَالَهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ بِهِ ،

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَقَالَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ـ قَالَ بِهِ،

وَإِلَّا اجْتَهَدَ رَأْيَهُ .

سنده صحيح.

وأخرجه في “المسند” (112).

ومن طريقه البيهقي في “السنن” (10/110).

هذا في زمن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ والفطر سليمة، والمناهج قويمة، والطرق مستقيمة.

والناس في كل زمن أحوج إلى هذا الطريق السوي والمورد الهنيء.

فائدة رقم : 147 : من آثار سب الصحابة خراب الديار

قال السلمي ـ رحمه الله في ” سؤلاته للدار قطني” (468 ) ـ :

وقال ـ يعني الدارقطني ـ : قال لي أبو جعفر محمد بن عبيد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن الحسين بن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ـ وما رأيت شريفًا أحفظ لأيام الناس منه ـ سمعته يقول :

أخذ بيدي جدي طاهر يطيف بي في المدينة، فيريني آثار منازل أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول : هذا المنزل كان لفلان، إلى أن جاء إلى منازل خربة، فقال :

( هذه المنازل تراها خرابًا، إنما خربها سب أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ! ).

صدق ـ رحمه الله ـ فإن من يسب أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبوء بالخسارة والذلة  في الدنيا، والعذاب والنكال  في الآخرة.

وأبو جعفر محمد وجده طاهر مترجمان في “تاريخ الإسلام”.

فائدة رقم : 148 : شكوى بعض الصحابة من عوج النساء

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” (19273) ـ :

حَدَّثَنَا عَبِيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ،  عَنْ رُكَيْنٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ : قدِمَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَلَى عُمَرَ، فَشَكَا إلَيْهِ مَا يَلْقَى مِنَ النِّسَاءِ مِنْ سُوءِ أَخْلاَقِهِنَّ ! .

قَالَ : فَقَالَ عُمَرُ : إنِّي أَلْقَى مِثْلَ مَا تَلْقَى مِنْهُنَّ! ، إنِّي لآتِي قَالَ : السُّوقَ أَوِ النَّاسَ، أَشْتَرِي مِنْهُمَ الدَّابَّةَ، أَوِ الثَّوْبَ، فَتَقُولُ الْمَرْأْةُ :

إنَّمَا انْطَلَقَ يَنْظُرُ إلَى فَتَاتِهِمْ، أَوْ يَخْطُبُ إلَيْهِمْ!!.

قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ : أَوَمَا تَعْلَمُ ما شَكَا إبْرَاهِيمُ مِنْ دَرْءٍ فِي خُلُقِ سَارَةَ،  فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ : إنَّمَا هِيَ مِن ضِلَعٍ فَخُذَ الضِّلْعَ فَأَقِمْهُ، فَإِنَ اسْتَقَامَ؛ وَإِلاَّ فَالْبَسْهَا عَلَى مَا فِيهَا.

سنده حسن.

قلتُ:

عوج المرأة، ونقص عقلها، معلوم بنص حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،والواقع، والفطر،  فلا حرج عليها وﻻ لوم؛ لأن الله قد طبعها على ذلك.

لكن للأسف بعض الرجال يؤثر عليه نقص عقل زوجته حتى يصير به من العوج مثلها أو ما يقاربها، فلربما أوقع طلاقها بسبب أمر هين ثم يرجع فيبكي على فراقها.

ومن فوائد هذا الأثر:

  1. شكوى الرجل بعض ما يحصل في بيته على من يحب من أهل العقل والعلم.
  2. كثرة ظنون النساء على أزواجهن.
  3. تسلية النفس بالصبر على عوج الزوجة وعدم التعجل بما ﻻتحمد عقباه.
فائدة رقم : 149 : منهج السلف في العمل اليومي

قال ابن وهب ـ رحمه الله في “الجامع” (1487 ) ـ :

حدثني مَسْلَمَةُ بْنُ عُلَيٍّ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ:

( كَانَ السَّلَفُ إِذَا انْصَدَعَ الْفَجْرُ أَوْ قَبْلَهُ شَيْئًا، كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ، مُقْبِلِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى لَوْ أَنَّ حَمِيمًا لِأَحَدِهِمْ غَابَ عَنْهُ حِينًا، ثُمَّ قَدِمَ مَا الْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ، حَتَّى يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ، ثُمَّ يَقُومُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَيَتَحَلَّقُونَ، فَأَوَّلُ مَا يُفِيضُونَ فِيهِ أَمْرُ مَعَادِهِمْ وَمَا هُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ.

ثُمَّ يَتَحَوَلُونَ إِلَى الْفِقْهِ وَالْقُرْآنِ).

قلت : هو واقع السلف، وما درجوا عليه من الشغل بالطاعة، والاستمرار على الخير.

وسند هذا الأثر فيه شيخ ابن وهب وهو مسلمة الخشني ، متروك.

فائدة رقم : 150 : من منهج السلف إذا تفرقوا بعد اجتماع

قال ابن أبي خيثمة ـ رحمه الله في كتاب “العلم” (160) ـ:

ثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال:

( كانوا يجلسون فيذاكرون العلم والخير، ثم يتفرقون لا يستغفر بعضهم لبعض، ولا يقول يا فلان ادعُ لي).

سنده صحيح.

وهذا خلاف ما درج عليه بعض طلبة العلم.

ويضاف إلى هذا :

أن بعضهم يقول لإخوانه بعد السفر في دعوة، ونحو ذلك: المسامحة يا إخوان، ولم يحصل منه إساءة أصلًا، وإنما صارت عادة لا دليل عليها.

نعم إذا كان الأخ قد أخطأ في حق أخيه، فالمشروع أن يطلب منه المسامحة بعينه.

فائدة رقم : 151 : الدفع عن النفس بالمال

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” ـ :

الرّجل يصانِع عن نفسِهِ

21990 –  حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ، يَقُولُ: ( لَمْ نَجِدْ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَهُ أَشْيَاءَ أَنْفَعَ لَنَا مِنَ الرِّشَاءِ ).

سنده صحيح.

21991 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ ( لَمَّا أَتَى أَرْضَ الْحَبَشَةِ أُخِذَ فِي شَيْءٍ فَأَعْطَى دِينَارَيْنِ حَتَّى أَخَذَ سَبِيلَهُ ).

منقطع.

21992 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: ( اجْعَلْ مَالَكَ جُنَّةً دُونَ دِينَكَ، وَلَا تَجْعَلْ دِينَكَ جُنَّةً دُونَ مَالِكَ ).

21993 – حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، أَنَّهُمْ قَالُوا: ( لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ إِلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ ).

 

21994 – حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، مِثْلَهُ.

سنده صحيح.

21995 – حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ: ( أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ مَا يَصُونَ بِهِ عِرْضَهُ).

سنده صحيح.

فائدة رقم : 152 : إذا أصيب الأجير هل يضمن المستأجر

قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله في “شرح البلوغ” (10/247) ـ:

مسألة :لو أن أجيرًا أصيب إصابة أثناء العمل، وبسببه فهل يضمن صاحب العمل؟.

الجواب :

كونه بسبب العمل أو بغير سببه هذا ليس له أثر، خلافًا لنظام الشركات الآن، وأنه إذا كان بسبب العمل فإن صاحب الشركة يضمن، فهذا خلاف ما أنزل الله، وهو شرط باطل.

فائدة رقم : 153 : رفع الموافق ولو كان نازلًا، والحط من المخالف ولو كان عالماً، من منهج أهل البدع

قال شيخنا الإمام الوادعي – رحمه الله في مقدمة “بلوغ المنى في حكم الاستمنى” (ص:11) ـ :

أهل السنة ليست لديهم محاباة، بخلاف المبتدعة فإنهم يرفعون من كان موافقًا لهم، وإن كان لا يساوي شيئًا، ويضعون من خالفهم وإن كان علمًا من الأعلام، وكأنه لم يقرع أسماعهم قول الله – عز وجل-  : ( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)،

وقوله تعالى :(وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ).

فائدة رقم : 154 : مراد إبراهيم النخعي بقوله: كانوا ...

لأهل العلم قولان في تعيين المراد بذلك :

الأول : أن المراد به الإجماع.

قال الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله في “فتح الباري” ( 5 / 540) ـ :

(وقد روى ابن أبي خيثمة في ” تاريخه ” من طريق الأعمش، عن النخعي، قال : ما قلت لكم: كانوا يستحبون، فهو الذي أجمعوا عليه).

الثاني: أن المراد به كبار أصحاب ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ .

وهو قول جمهور أهل العلم منهم :

  • الطحاوي ـ رحمه الله ـ قال في “شرح معاني الآثار” (1 / 485):

(وإذا قال : “كانوا” فإنما يعني بذلك أصحاب عبد الله)، وبنحوه أيضًا في “شرح معاني الآثار”  (4 / 338).

  • وهكذا شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في “التحبير” للمرداوي ومختصره “شرح الكوكب المنير” لابن النجار (2/ 490 )،
  • وابن خزيمة في “صحيحه” (186)،
  • و ابن عبد البر في “التمهيد” (11 / 135)، و في “الاستذكار” ( 1 / 217)،
  • والقرطبي في “المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم” (1/ 476)،
  • ابن حجر في “الفتح” (1 / 259)،

وهذا القول هو الأقرب.

وممكن أن يحمل ما نقله ابن رجب على ما أجمع عليه أصحاب عبدالله بن مسعود.

ويكون قولًا واحدًا في المسألة متفق عليه عند أهل العلم.

وكبار أصحاب عبدالله بين ذلك في قول للنخعي :

 

قال البيهقي في “المدخل” (159):

أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ بِشْرَانَ، أبنا أَبُو عَمْرِو بْنُ السَّمَّاكِ قَالَ: ثنا حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، ثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:

كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّذِينَ يُقْرِئُونَ النَّاسَ وَيُعَلِّمُونَهُمُ السُّنَّةَ:

عَلْقَمَةَ، وَالْأَسْوَدَ، وَعُبَيْدَةَ، وَمَسْرُوقً، وَالْحَارِثَ بْنَ قَيْسٍ، وَعَمْرَو بْنَ شُرَحْبِيلَ.

سنده حسن.

فائدة رقم : 155 : من ضوابط لباس الشهرة

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة في “المصنف”  (25267 ) :

حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنِ الْحُصَيْنِ، قَالَ: كَانَ زُبَيْدٌ الْيَامِيُّ يَلْبَسُ بُرْنُسًا، قَالَ: فَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ عَابَهُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ:

( إِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَلْبَسُونَهَا، قَالَ: أَجَلْ، وَلَكِنْ قَدْ فَنِيَ مَنْ كَانَ يَلْبَسُهَا، فَإِنْ لَبِسَهَا أَحَدٌ الْيَوْمَ شَهَرُوهُ، وَأَشَارُوا إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ ).

سنده صحيح.

فيه من الفوائد :

  1. تجنب السلف للباس الشهرة.
  2. ضابط من ضوابط لباس الشهرة وهو قوله : ( قَدْ فَنِيَ مَنْ كَانَ يَلْبَسُهَا، فَإِنْ لَبِسَهَا أَحَدٌ الْيَوْمَ شَهَرُوهُ).
  3. نصيحة السلف بعضهم لبعض، مع القبول والإعزاز.

 

 

فائدة رقم : 156 : من كان يَذْكُرُ أَنَّ لَهُ عِلْمًا بِالْمَنَاسِكِ

بوب ابن أبي شيبة بهذا الباب في “المصنف” وقال:

15676 –  حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ : كَانُوا يَرَوْنَ، أَنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْمَنَاسِكِ ابْنُ عَفَّانَ، ثُمَّ بَعْدَهُ ابْنُ عُمَرَ.

سنده صحيح.

ومحمد هو ابن سيرين.

15677 – نا الْفَضْلُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: ( ابْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمُ مَنْ بَقِيَ بِالْحَجِّ ).

سنده ضعيف، عبدالله بن يوسف مجهول.

15678 – ثنا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَسْلَمَ بْنِ الْمِنْقَرِيِّ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ، فَمَرَّ عَطَاءٌ، فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: ( مَا بَقِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ مِنْ عَطَاءٍ).

سنده صحيح.

وأسلم المنقري هو أبو سعيد

فائدة رقم : 157 : أهمية أن يكونَ للمفتي سلفًا في قولِهِ

قال أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ ـ رحمه الله في “السير” (9) ـ :

( سَأَلْتُ سُفْيَانَ عَنْ نَبْشِ الْقُبُورِ يُدَلُّونَ فِيهَا عَلَى الشَّيْءِ؟،

قَالَ: يُكْرَهُ.

قُلْتُ: وَمَا يُكْرَهُ مِنْهُ؟،

قَالَ: هَلْ بَلَغَكَ أَنَّ أَحَدًا فَعَلَهُ مِمَّنْ مَضَى؟

قُلْتُ: لَا،

قَالَ: فَلَا يُعْجِبُنِي).

هذا سفيان الثوري إمام زمانه فما ظنك بغيره.

ومعنى : (يُدَلُّونَ فِيهَا عَلَى الشَّيْءِ) يعني من المال: ذهب أو فضة ونحو ذلك.

فائدة رقم : 158 : أقسام تقربات العباد

قال القرافي  ـ رحمه الله في “الذخيرة ” (2/7) ـ :

تقربات الْعباد على ثَلَاثَة أَقْسَامٍ :

 أَحَدُهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ:

كَالْمَعَارِفِ، وَالْإِيمَانِ بِمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَثَانِيها حق للعباد فَقَطْ:

بِمَعْنَى : أَنَّهُمْ مُتَمَكِّنُونَ مِنْ إِسْقَاطِهِ، وَإِلَّا فَكل حق للْعَبد فَفِيهِ : حق الله تَعَالَى وَهُوَ أمره بإيصاله لمستحقه، كاداء الدُّيُون، ورد الغضوب، والودائع .

 وَثَالِثهَا حق لله تَعَالَى وَحقّ للعباد  وَالْغَالِبُ مَصْلَحَةُ الْعِبَادِ :

كَالزَّكَوَاتِ، وَالصَّدَقَاتِ، وَالْكَفَّارَاتِ، وَالْأَمْوَالِ الْمَنْذُورَاتِ، وَالْهَدَايَا، وَالضَّحَايَا، وَالْوَصَايَا، وَالْأَوْقَافِ.

 وَرَابِعُهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ والعباد :

كالأذان :

  • فحقه تَعَالَى التَّكْبِيرَاتِ وَالشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ،
  • وَحَقُّ رَسُولِهِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ،
  • وَحَقُّ الْعِبَادِ الْإِرْشَادُ لِلْأَوْقَاتِ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَالْمُنْفَرِدِينَ، وَالدُّعَاءُ لِلْجَمَاعَاتِ فِي حَقِّ الْمُقْتَدِينَ.

وَالصَّلَاةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى:

  • حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى: كَالنِّيَّةِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّسْبِيحِ، وَالتَّشَهُّدِ، وَالْقِيَامِ، وَالْقُعُودِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ، وَتَوَابِعِهَا مِنَ التَّوَرُّكِ وَالْكَفِّ عَنِ الْكَلَامِ وَكَثِيرِ الْأَفْعَالِ.
  • وَعَلَى حَقِّهِ ـ عَلَيْهِ السَّلَامُ ـ:  كَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالتَّسْلِيم، وَالشَّهَادَةِ لَهُ بِالرِّسَالَةِ.
  • وَعَلَى حَقِّ الْمُكَلَّفِ: وَهُوَ دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ بِالْهِدَايَةِ، وَالِاسْتِعَانَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْقُنُوتُ، وَدُعَاؤُهُ فِي السُّجُودِ وَالْجُلُوسِ لِنَفْسِهِ وَقَوْلُهُ سَلام عَلَيْنَا.
  • وَعَلَى حَقِّ الْعِبَادِ : كَالدُّعَاءِ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ، والقنوت، وَطَلَبِ الْإِعَانَةِ.
فائدة رقم : 159 : هل القراءة بالقراءة الشاذة في الصلاة يبطلها

قال العلامة الشوكاني  ـ رحمه الله في “السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار” (2/508) ـ :

ومن عجائب الغلو وغرائب التعصب قولهم إن القراءة الشاذة من جملة ما يوجب فساد الصلاة، وجعلوها من كلام الناس، وأنه لا يكون من كلام الله إلا ما تواتر وهي القراءات السبع.

والحق أن القراءات السبع فيها ما هو متواتر، وفيها ما هو آحاد، وكذلك القراءات الخارجة عنها، وقد جمعنا في هذا رسالة حافلة، ونقلنا فيها مذاهب القراء، وحكينا إجماعهم المروي من طريق أهل هذا الفن؛ أن المعتبر في ثبوت كونه قرآنًا هو :

صحة السند، مع احتمال رسم المصحف له، وموافقته للوجه العربي.

وأوضحنا أن هذه المقالة ـ أعني كون السبع متواترة وما عداها شاذًا ليس بقرآن ـ لم يقل بها إلا بعض المتأخرين من أهل الأصول، ولا تعرف عند السلف ولا عند أهل الفن على اختلاف طبقاتهم وتباين أعصارهم.

فائدة رقم : 160 : الأموال العامة ما فضل منها بعد القيام بعمل متعلق بها يعود إلى الخزانة العامة

قال أبو إسحاق الفزاري ـ رحمه الله في ” السير ” ـ :

81 – عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِإِبْرَاهِيمَ: الرَّجُلُ يُعْطِي النَّفَقَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْفَقَ مِنْهَا عَلَى أَهْلِهِ؟

قَالَ: ( لَا، وَلَكِنْ يُنْفِقُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى دَابَّتِهِ، فَإِنْ فَضَلَ مَعَهُ فَضْلٌ فَلْيَجْعَلْهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ).

وَكَانَ سُفْيَانُ وَابْنُ عَوْنٍ يُعْجِبُهُمَا هَذَا الْقَوْلَ.

84 – عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ: ( كَانَ مَكْحُولٌ إِذَا أَعْطَى الشَّيْءَ لِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَمْ يَرَ أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا، إِلَّا أَنْ يُسَمَّى لَهُ شَيْءٌ).

فائدة رقم : 161 : فائدة نفيسة عن قول شعبة كَفَيْتُكُمْ تَدْلِيسَ ثَلَاثَةٍ

قال البيهقي ـ رحمه الله في “المعرفة” (1/152) ـ :

رُوِّينَا عَنْ  شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: كَفَيْتُكُمْ تَدْلِيسَ ثَلَاثَةٍ: الْأَعْمَشَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةَ.

ونقله الحافظ ـ رحمه الله ـ في “تعريف أهل التقديس”، و”النكت”: (2/630) من “المعرفة”،

وكان شيخنا مقبل ـ رحمه الله ـ  يقول: ( لم نقف لها على سند ).

وكذلك قلت في كتابي “التيسير لمعرفة المشهور من أسانيد وكتب التفسير” ( ص67 )، ثم  رأيت سندها وكأني وقفت على كنز من ذهب ﻻ يعلم منتهاه.

قال الحافظ ابن طاهر ـ رحمه الله في “مسألة التسمية” (47) ـ :

أخبرنا أحمد بن علي الأديب، أخبرنا الحاكم أبوعبد الله إجازة، حدثنا محمد بن صالح بن هانىء، حدثنا إبراهيم بن أبي طالب، حدثنا رجاء الحافظ المروزي، حدثنا النضر بن شميل قال: سمعت شعبة يقول: كَفَيْتُكُمْ تَدْلِيسَ ثَلَاثَةٍ: الْأَعْمَشَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَقَتَادَةَ.

ثم طبع “المدخل إلى السنن” كاملًا، فوقفت عليها فيه فكأنه سيق إلي كنز آخر.

قال البيهقي فيه (548):

أخبرنا أبو عبدالله الحاكم فذكره.

قلت: وهذا سند صحيح.

محمد بن صالح ثقة مترجم في رجال الحاكم لشيخنا الوادعي (2/216)،

إبراهيم ثقة حافظ مترجم في “السير” (13/547)،

ورجاء هو ابن مرجي ثقة حافظ، والنضر ثقة سني مترجمان في “التهذيب”.

بقي أن شعبة ﻻ يحمل عن مشايخه إلا ما كان مسموعا لهم:

ففي “الجرح والتعديل”(35/2)، بسند صحيح، عن يحيى بن سعيد القطان ـ رحمه الله ـ أنه قال:

كلما حدث شعبة عن رجل فقد كفاك أمره، فلا تحتاج أن تقول لذلك الرجل سمع، ممن حدث عنه.

فأحمد الله وحده على فضله وتوفيقه.

وأنت يا أخي العزيز :

خُذْهَا طريةً لَكَ بِغَيرِ تَعَبٍ وَﻻَ ثَمَنٍ.

فائدة رقم : 162 : المرأة عورة

قال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” ـ :

17710 – حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:

( احْبِسُوا النِّسَاءَ فِي الْبُيُوتِ، فَإِنَّ النِّسَاءَ عَوْرَةٌ، وَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ، وَقَالَ لَهَا: إِنَّكِ لَا تَمُرِّينَ بِأَحَدٍ إِلَّا أُعْجِبَ بِكِ ).

سنده صحيح، أبو الأحوص تلميذ ابن مسعود، هو عوف بن مالك.

وأبو الأحوص شيخ ابن أبي شيبة، هو سلام بن سليم.

17711 – حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ:

(اسْتَعِينُوا عَلَى النِّسَاءِ بِالْعُرْيِ، إِنَّ إِحْدَاهُنَّ إِذَا كَثُرَتْ ثِيَابُهَا، وَحَسُنَتْ زِينَتُهَا أَعْجَبَهَا الْخُرُوجُ).

سنده صحيح.

17712 – حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، قَالَ:

(كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ حَتَّى ظُفُرُهَا).

سنده صحيح.

فائدة رقم : 163 : كرامة عزيزة بعد موته

قال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله في “تذكرة الحفاظ” (3/1172):

( الوخشى الحافظ الإمام الجوال أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن أحمد بن جعفر البلخي.

ووخش قرية من أعمال بلخ…

قال أبو سعد السمعاني كان الوخشى حافظًا، فاضلًا، ثقة، حسن القراءة، رحل الى العراق والجبال والشام والثغور ومصر، وذاكر الحفاظ، قلت: والأجزاء الوخشيات الخمسة من انتقائه لأبي نعيم الحافظ.

ـ كرامة له: ـ

وقال عمر بن علي السرخسي: كنت مراهقًا وقت موت الوخشى، فحضرته فلما وضع في القبر، سمعنا صيحة، فقيل: خرجت الحشرات من المقبرة وكان في طرفها واد انحدرت إليه، وأبصرت العقارب والخنافس وهي منحدرة في الوادي والناس ما يتعرضون لها.

قال السمعاني: توفي في خامس ربيع الآخر سنة إحدى وسبعين وأربعمائة ببلخ عن ست وثمانين سنة).

هذه الكرامة لإزالة الأذى عن تلك القبور لدخول هذا الصالح إليها ولعل ما يكون له في القبر أعظم وأنعم، والله أعلم.

فائدة رقم : 164 : مِنْ بَرَكَةِ العَلْمِ الذَّب بِحَقٍ عَنْ أَعْرَاضِ أَهْل العلم

ذكر العراقي ـ في “التقييد” (1/470) أن ابن مسدي روى في “معجم شيوخه” :

ابن العربي ـ رحمه الله ـ ذكر حديث (دَخَلَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مَكَّةَ، وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ)، وَقَالَ :  ( رَوَيْتُهُ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ طَرِيقًا )،

ووعد أصحابه بإخراجها، فلم يفعل؛ وبذلك اتهم بعضهم ابن العربي، فدافع عنه ابن مسدي فقال:

( بأن شيخه في هذه الحكاية هو أبو العباس الخشاب، كان متعصبًا على ابن العربي فلا يقبل قوله فيه).

قال الحافظ ـ رحمه الله في “النكت” (2/656) ـ :

(قلت: وهو تعقب غير مرضي، بل هو دال على قلة اطلاع ابن مسدي، وهو معذور؛ لأن أبا جعفر ابن المرجي راويها في الأصل كان مستبعدًا لصحة قول ابن العربي، بل هو وأهل البلد، حتى قال قائلهم :

يا أهل حمص ومن بها أوصيكم             بالبر والتقوى وصية مشفق

فخذوا عن العربي أسمار الدجى            وخذوا الرواية عن إمام متقي

إن الفتى ذرب اللسان مهذب            إن لم يجد خبرًا صحيحًا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل إشبيلية.

فلما حكاها أبو العباس البناني لابن مسدي على هذه الصورة، ولم يكن عنده اطلاع على حقيقة ما قاله ابن العربي، احتاج من أجل الذب عن ابن العربي أن يتهم البناني، حاشا وكلا ما علمنا عليه من سوء، بل ذلك مبلغهم من العلم.

وقد تتبعت طرق هذا الحديث، فوجدته كما قال ابن العربي من ثلاثة عشر طريقًا عن الزهري غير طريق مالك، بل أزيد وما أجود عبارة الترمذي في هذا فإنه قال ـ بعد تخريجه ـ :

(لا يعرف كبير أحد رواه عن الزهري غير مالك).

وكذا عبارة ابن حبان: ( لا يصح إلا من رواية مالك، عن الزهري ).

فهذا التقييد أولى من ذلك الإطلاق، وهذا بعينه حاصل في حديث الأعمال بالنيات.

والله الموفق .

ولقد أطلت في الكلام على هذا الحديث، وكان الغرض منه الذب عن أعراض هؤلاء الحفاظ، والإرشاد إلى عدم الطعن والرد بغير اطلاع.

وآفة هذا كله الإطلاق في موضع التقييد.

فقول من قال من الأئمة: إن هذا الحديث تفرد به مالك عن الزهري ليس على إطلاقه، إنما المراد به بشرط الصحة.

وقول ابن العربي: إنه رواه من طرق غير طريق مالك، إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح، فلا اعتراض ولا تعارض.

فائدة رقم : 165 : الإجماع على حكم ما يترتب على قتال الفتنة

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف”  (27963) ـ :

حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: ( هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مُتَوَافِرُونَ، فَأَجْمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقَادُ، وَلَا يُودَى مَا أُصِيبَ عَلَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ إِلَّا مَالٌ يُوجَدُ بِعَيْنِهِ).

سنده صحيح.

وسألتُ شيخنا الوادعي ـ رحمه الله ـ عن رجلٍ قتل رجلًا في زمن الحرب بين الملكية والجمهورية ؟

فقال ما مفاده :

(عليه التوبة والاستغفار فقط، لأن هذا قتال فتنة).

فائدة رقم : 166 : نَوْمَةُ الضُّحَى

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” ـ :

مَا قَالُوا فِي التَّصَبُّحِ نَوْمَةَ الضُّحَى وَمَا جَاءَ فِيهَا

25441 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: مَرَّ بِي عَمْرُو بْنُ بُلَيْلٍ وَأَنَا مُتَصَبِّحٌ، فِي النَّخْلِ فَحَرَّكَنِي بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: ” أَتَرْقُدُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يَنْتَشِرُ فِيهَا عِبَادُ اللَّهِ.

سنده صحيح.

25442 – حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الزُّبَيْرُ يَنْهَى بَنِيهِ عَنِ التَّصَبُّحِ، قَالَ: وَقَالَ عُرْوَةُ: ( إِنِّي لَأَسْمَعُ بِالرَّجُلِ يَتَصَبَّحُ فَأَزْهَدُ فِيهِ).

سنده صحيح.

25443 – حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: ” أَنَّهُ مَرَّ بِابْنٍ لَهُ تَصَبَّحَ، فَذَكَرَ أَنَّهُ فَقَدَهُ، وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ.

سنده ضعيف.

طلحة بن يحيى بن طلحة القرشيي، قال البخاري : منكر الحديث.

وحفص هو ابن سليمان ضعيف أيضًا.

25444 – حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، قَالَ: الْتَقَى ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَذَاكَرَا أَشْيَاءَ، فَقَالَ لَهُ الْآخَرُ: ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْأَرْضَ تَعِجُّ إِلَى رَبِّهَا مِنْ نَوْمَةِ غِلْمَانِهَا).

سنده صحيح.

وأبو سفيان هو طلحة بن نافع.

25445 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ: ( إِنِّي لَأَزْهَدُ فِي الرَّجُلِ يَتَصَبَّحُ).

سنده صحيح.

25446 – حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: (كَانَ سَالِمٌ لَا يَتَصَبَّحُ، وَكَانَ يَقِيلُ).

سنده ضعيف.

خالد لين.

25447 – حَدَّثَنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، مِثْلَهُ.

سنده كسابقه.

وهناك من رخص في ذلك:

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” ـ :

مَنْ رَخَّصَ فِي التَّصَبُّحِ

25449 – حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَائِشَةَ: (أَنَّهَا كَانَتْ تُصَبِّحُ).

سنده صحيح.

25450 – حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّمَّاسِ، قَالَ: ( أَتَيْتُ أُمَّ سَلَمَةَ فَوَجَدْتُهَا نَائِمَةً – يَعْنِي: بَعْدَ الصُّبْحِ ).

سنده صحيح عن ابن الشماس.

25451 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: ( أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ نَامَتْ نَوْمَةَ الضُّحَى).

صحيح.

25452 – حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ( أَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَوَجَدْتُهُ نَائِمًا نَوْمَةَ الضُّحَى).

سنده صحيح.

25453 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: (أَنَّهُ كَانَ يَتَصَبَّحُ).

سنده صحيح

25454 – حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْمَدِينِيِّ، قَالَ: غَدَا عُمَرُ عَلَى صُهَيْبٍ فَوَجَدَهُ مُتَصَبِّحًا، فَقَعَدَ حَتَّى اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ صُهَيْبٌ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَاعِدٌ عَلَى مَقْعَدَتِهِ وَصُهَيْبٌ نَائِمٌ مُتَصَبِّحٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ( مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ تَدَعَ نَوْمَةً تُرْفِقُ بِكَ).

سنده منقطع.

أبو يزيد لم يسمع من عمر.

وجميع رجاله ثقات.

فائدة رقم : 167 : مَنْ كَانَ لَا يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يَنَامُ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” (26381) ـ :

مَنْ كَانَ لَا يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يَنَامُ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ

حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ بِشْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: (كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ، لَمْ يَدَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَطُوفُ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ).

سنده صحيح.

وبشير هو النهدي.

فائدة رقم : 168 : نَبْذ االانتساب إلى الحزبية المبتدعة

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” (30382) ـ :

حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ , عَنِ الشَّيْبَانِيِّ , عَنْ أَبِي قِلَابَةَ , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: (تَسَمَّوْا بِأَسْمَائِكُمُ الَّتِي سَمَّاكُمُ اللَّهُ بِالْحَنِيفِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ).

سنده صحيح.

فائدة رقم : 169 : احترام المتعلم للمعلم

قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ :

أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: ( كُلُّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيثًا، فَأَنَا لَهُ عَبْدٌ).

سنده صحيح.

وأخرجه ابن عبد البر، ومن طريقه ابن بشكوال في كتاب “الصلة” (1/31).

فائدة رقم : 170 : إجلال الأصحاب عن كتب العتاب

قال ابن بشكوال في “الصلة” (35/2):

كتب إلينا القاضي أبو علي الصدفي بخطه قال: أنشدنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغداذي، قال: أنشدنا أبو الفضل عمر بن عبيد الله المقرىء قال: أنشدنا بكر بن شاذان، قال: أنشدنا جعفر بن محمد بن نصير الخواص، قال: أنشدنا أبو رواحة الأنصاري لهلال بن العلاء:

أُحِنُّ إِلَى عِتَابِكَ غَيْرَ أَنِّي                               أُجِلُّكَ مِنْ عِتَابِكَ فِي كِتَابِ

 وَنَحْنُ إِنِ الْتَقَيْنَا قَبْلَ مَوْتٍ                           شَفَيْتَ عَلِيكَ قَلْبِي بِالعِتَابِ

 وَإِنْ سَبَقَتْ بِنَا ذَاتُ الْمَنَايَا                          فَكَمْ مِنْ عَاتِبٍ تَحْتَ التُّرَابِ

 كَتَبْتُ وَلَوْ وددت هَوًى وَشَوْقًا                     إلَيك لَكُنْتُ سَطرًا فِي الْكِتَابِ

فائدة رقم : 171 : نقد طريقة التحقيق على طريقة المستشرقين

قال الشيخ العلامة المحقق محمود شاكر في مقدمة كتاب “طبقات فحول الشعراء “:

(… فهذا “المنهج العلمي”، أو “علم التحقيق” الذي يختال المختال في طيلسانه، ليس إلا دروسًا أنشأها جماعة من أغتام الأعاجم في زماننا، فتلقَّنوها عنهم حفظًا عن ظهر قلب، فإذا جاء أحدَهم كتابٌ أو وقع في يده، نظر: فإذا كانت القواعد المحفوظة مطبّقة في هوامش الكتاب، (فذاك الكتاب ـ ذاك الكتاب )”المحقق”.

فإذا لم يرَ أثرًا ظاهرًا في هوامش الكتاب يطابقُ المحفوظ من القواعد فهو كتاب: ( غير محقق )، (كتاب ردئ جدًا).

يقولها قائلهم رافعًا هامته، ناصبًا قامته، مصعرًا خده، زامّا بشفتيه وأنفه، كهيئة المتقزِّز المتقذر.

بهولاء وأشباههم تفشى وباء “تحقيق الكتب” على هذه القواعد المحفوظة وشوَّه وجه الكتاب العربي هذا السَّيل الجارف بما يحمل من غثاءٍ وجفاءٍ وقذر. هذا عجيبٌ!.

يبد أن العجب عندي، أن يأتي هذا الآتي، فلا يقتصر على أن يحاكمني إلى محفوظه من “قواعد المنهج العلمي” و “علم التحقيق”، بل يريدني أيضًا أن أتبع هذا “المنهج ” قسرًا، وإلا فإن إساءتي بخلاف هذا “المنهج” إساءةٌ توجب العقوبة، لا لا، بل توجب الغمز واللمز والهمز، وتَرْميز الحواجب والعيون، لا تقذرًا وتقززًا فحسب، بل استهزاءً واستهانةً، نزولًا إلى دَرَك يستحي معه هذا الآتي، أن ينطق اللسان بألفاظٍ أستحقُّها أنا وعملي معًا، فيلجأ إلى ما يدخل في طوقه من التقية، وإلى ما لا يدخل في طوقه ولا يحسنه من معاريض الكلام التي لا يحسنها إلا الكتَّاب.

هذا هو الذي سميته في آخر هذا “البرنامج” : الحياء المُقْذِعَ (من القذع، وهو قول الخنى والفحش):

ولوْ تُرمى بلُؤْمِ بني كُلَيْبٍ             نُجُومُ اللَّيلِ، ما وَضَحَتْ لِسَارِي

ولوْ لَبِسَ النَّهارَ بنُو كُلَيْبٍ                  لَدَنَّسَ لُؤْمُهُمْ وَضَحَ النَّهارِ ).

قلت:

وهذه الطريقة هي المعمول بها في كثير من الجامعات والمدارس العلمية.

وقد كان شيخنا الوادعي ـ رحمه الله ـ شديد الانتقاد لها.

فائدة رقم : 172 : حلاوة الكلام بصدق ما في القلب

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ، حَدَّثَنِي أَخِي مُحَمَّدٌ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْفُضَيْلِ لِأَبِيهِ يا أبت:

مَا أَحْلَى كَلَامَ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ،

قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَتَدْرِي لِمَ حَلَا؟

قَالَ: لَا يَا أَبت،

قَالَ: لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ اللهَ تَعَالَى .

أخرجه ابن بشكوال في الصلة (78/1).

فالقضية ليس بحسن اللفظ، وتنميق الخطاب؛ ولكن بما وقر في القلب وصدقه العمل.

ومن هذا الباب قول إبراهيم النخعي ـ رحمه الله ـ:

( إن الرجل ليتكلم بالكلام على كلامه المقت ينوي فيه الخير، فيلقي الله له العذر في قلوب الناس، حتى يقولوا: ما أراد بكلامه هذا إلا الخير.

وإن الرجل ليتكلم بالكلام الحسن، ﻻ يريد به الخير، فيلقي الله له في قلوب الناس حتى يقولوا : ما أراد بكلامه هذا الخير ) .

أخرجه هناد في الزهد (864).

فائدة رقم : 173 : فائدة نفيسة عن قصة مسلم مع البخاري في اطلاعه على علة خفيت عليه، وعظيم إجلال مسلم للبخاري

قال الحافظ الخليلي ـ رحمه الله في “الإرشاد معرفة علماء الحديث” (3 /  959- 960)ـ :

أَخْبَرَنِي أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُخْلَدِيُّ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ الْأَعْمَشِيُّ الْحَافِظُ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ بِنَيْسَابُورَ، فَجَاءَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ، ( بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي سَرِيَّةٍ وَمَعَنَا أَبُوعُبَيْدَةَ) فَسَاقَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ،

فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنِي أَخِي أَبُو بَكْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، الْقِصَّةُ بِطُولِهَا.

فَقَرَأَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ حَدِيثَ:

حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ: ( كَفَّارَةُ الْمَجْلِسِ وَاللَّغْوِ إِذَا قَامَ الْعَبْدُ أَنْ يَقُولَ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ).

فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: فِي الدُّنْيَا أَحْسَنُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ.

يُعْرَفُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثٌ فِي الدُّنْيَا ؟!!.

فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ: إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ،

قَالَ مُسْلِمٌ:  لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَارْتَعَدَ، أَخْبَرَنِي بِهِ ؟.

قَالَ: اسْتُرْ مَا سَتَرَ اللَّهُ، هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ رُوِيَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ، الْخَلْقُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ.

فَأَلَحَّ عَلَيْهِ وَقَبَّلَ رَأْسَهُ وَكَادَ أَنْ يَبْكِيَ،

فَقَالَ: اكْتُبْ إِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ:

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : ( كَفَّارَةُ الْمَجْلِسِ).

فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لَا يُبْغِضُكَ إِلَّا حَاسِدٌ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ).

سندها صحيح.

وأخرجها الخطيب في “تاريخ بغداد”(3/28-29)، من طريق أبي محمد الحسن بن أحمد به.

والحسن ثقة مترجم في “تاريخ الإسلام” للذهبي.

والأعمشي هو: أحمد بن حمدون القصار الحافظ.

وقد خالف الحسن بن أحمد:

أبو نصر الوراق في سياقتها وذلك فيما أخرجه الحاكم في “المعرفة”(274) حيث قال :

حَدَّثَنِي أَبُو نَصْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ أَحْمَدَ بْنَ حَمْدَانَ الْقَصَّارَ يَقُول : سَمِعْت مُسْلِم بْن الْحَجَّاج، وَجَاءَ إِلَى مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ فَقَبَّلَ بَيْن عَيْنَيْهِ وَقَالَ :

دَعْنِي حَتَّى أُقَبِّلَ رِجْلَيْكَ يَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ وَسَيِّدَ الْمُحَدِّثِينَ وَطَبِيبَ الْحَدِيثِ فِي عِلَلِهِ،

حَدَّثَكَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ، قَالَ ثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ الْحَرَّانَيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ  فِي كَفَّارَةِ الْمَجْلِسِ، فَمَا عِلَّتُهُ؟

فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ:

هَذَا حَدِيثٌ مَلِيحٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ،

حَدَّثَنَا بِهِ مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل، ثَنَا وُهَيْب، ثَنَا سُهَيْل، عَنْ عَوْنِ بْن عَبْد اللَّه مِنْ قَوْله . قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل : هَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لَا يُذْكَر لِمُوسَى بْن عُقْبَة سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْل.

وأخرجه الخطيب في “تاريخه” (102/13) من طريق الحاكم به.\

وهذه السياقة فيها زوائد على الرواية السابقة  وهي :

  1. تقديم الثناء قبل الإجابة.
  2. قوله: (دَعْنِي حَتَّى أُقَبِّلَ رِجْلَيْكَ يَا أُسْتَاذَ الْأُسْتَاذِينَ وَسَيِّدَ الْمُحَدِّثِينَ وَطَبِيبَ الْحَدِيثِ فِي عِلَلِهِ).
  3. قول البخاري: (هَذَا حَدِيثٌ مَلِيحٌ، وَلَا أَعْلَمُ فِي الدُّنْيَا فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ، إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ).

ففي الباب عن نحو أربعة عشر صحابيًا ﻻتخف على البخاري.

  1. جعل السائل مسلمًا، وفي الطريق السابق أن مسلمًا إنما كان حاضرًا يسمع.

هذه الزوائد الثلاث وَهْمٌ، إما من الحاكم، أو من شيخه، فإن شيخه الوراق ذكره الذهبي في ” السير” ووصفه: بالشيخ فحسب.

وذكره في “تاريخ الإسلام” بأنه: (كان كثير الحديث).

 

بخلاف المخلدي فهو ثقة محدث عصره.

قال الحاكم : هو صحيح السماع محدث عصره.

وقال الذهبي في “تأريخ الإسلام”(644/8):

(شيخ العدالة وبقية أهل البيتوتات).

هذا والله أعلم.

وحاصل العلة :

أن ابن جريج رواه عن موسى بن عقبة سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.

وهذا خطأ من وجهين:

الأول: أنه ﻻ يعرف لموسى ابن عقبة رواية عن سهيل.

الثاني: أن وهيب أثبت أحفظ لحديث سهيل.

والله أعلم.

فائدة رقم : 174 : رغبة السلف في علم الحديث حتى ملوكهم

قال الرامهرمزي ـ رحمه الله في ” المحدث الفاصل” (ص: 33) ـ :

حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ خُرَّزَاذَ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُونُسَ الْبَصْرِيُّ، ثَنَا أَبُو غَسَّانَ نَصْرُ بْنُ مَنْصُورٍ الطُّفَاوِيُّ، ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ:

دَخَلَ الْمَأْمُونُ مِصْرَ فَقَامَ إِلَيْهِ فَرَجُ النُّوبِيُّ أَبُو حَرْمَلَةَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَاكَ أَمْرَ عَدُوِّكَ، وَأَدَانَ لَكَ الْعِرَاقِيِّنَ وَالْحَرَمَيْنِ، وَالشَّامَاتِ وَالْجَزِيرَةَ، وَالثُّغَورَ وَالْعَوَاصِمَ، وَأَنْتَ الْعَالِمُ بِاللَّهِ وَابْنُ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ،

قَالَ: وَيْلَكَ يَا فَرَجُ أَوْ قَالَ: وَيْحَكَ، قَدْ بَقِيَتْ لِي خُلَّةٌ،

قَالَ: وَمَا هِيَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟،

قَالَ: جُلُوسٌ فِي عَسْكَرٍ وَمُسْتَمْلٍ تَحْتِي قَالَ إِبْرَاهِيمُ: الْعَسْكَرُ جُنَاحٌ يَقُولُ: مَنْ ذَكَرْتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ؟ فَأَقُولُ:

حَدَّثَنَا الْحَمَّادَانِ: حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدِ بْنِ دِرْهَمٍ قَالَا: ثَنَا ثَابِتُ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ :

( مَنْ عَالَ ابْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أُخْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتَّى يَمُتْنَ أَوْ يَمُوتُ عَنْهُنَّ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ) وَأَوْمَأَ حَمَّادٌ بِإِصُبُعِهِ الْوُسْطَى

المأمون لم يدرك الحمادين،  ولكن لعل المأمون لم يقصد الرواية ؛ وإنما قصد حكاية طريقة المحدثين.

و أحمد بن محمود مترجم في “تأريخ بغداد” (372/6) بروايته عن جماعة .

ونصر وإبراهيم لم أقف لهما على ترجمة.

فائدة رقم : 175 : أَعْلَى النَّاس رُتْبَةً فِي الْخَيْرِ خَيْر النَّاسِ لِأَهْلِهِ

قال الشوكاني ـ رحمه الله في “نيل الأوطار” (12 / 331 ) ـ:

(قَوْلُهُ: (وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ)، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ)، فِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَعْلَى النَّاسِ رُتْبَةً فِي الْخَيْرِ، وَأَحَقُّهُمْ بِالِاتِّصَافِ بِهِ هُوَ مَنْ كَانَ خَيْرَ النَّاسِ لِأَهْلِهِ، فَإِنَّ الْأَهْلَ هُمْ الْأَحِقَّاءُ بِالْبِشْرِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ وَالْإِحْسَانِ وَجَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ.

فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ كَذَلِكَ فَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مِنْ الشَّرِّ، وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ النَّاسُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ، فَتَرَى الرَّجُلَ إذَا لَقِيَ أَهْلَهُ كَانَ أَسْوَأَ النَّاسِ أَخْلَاقًا وَأَشْجَعَهُمْ نَفْسًا وَأَقَلَّهُمْ خَيْرًا، وَإِذَا لَقِيَ غَيْرَ الْأَهْلِ مِنْ الْأَجَانِبِ لَانَتْ عَرِيكَتُهُ، وَانْبَسَطَتْ أَخْلَاقُهُ، وَجَادَتْ نَفْسُهُ، وَكَثُرَ خَيْرُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مَحْرُومُ التَّوْفِيقِ زَائِغٌ عَنْ سَوَاءِ الطَّرِيقِ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ)اهـ.

قال شيخنا الشيخ الهمام محمد الإمام ـ حفظه الله ـ مشيرًا إلى هذه الفائدة في طرة المجلد المذكورة فيه هذه الفائدة:

( كلام نفيس).

فائدة رقم : 176 : لَنْ نُكَافِئَ مَنْ عَصَى اللهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيعَ اللهَ فِيهِ

قال أبو عروبة الحسين بن محمد ـ رحمه الله في “جزئه” (20) ـ:

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَة، قَالَ: سَمِعتُ عمرَ بْنَ ذَرٍّ يَقُول لِابْنِ عَيَّاش :

لَا تُغْرِقْ فِي شَتْمِنَا، وُدَعْ لِلصُّلْحِ مَوْضِعًا،  فَإِنَّا لَنْ نُكَافِئَ مَنْ عَصَى اللهَ فِينَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ نُطِيعَ اللهَ فِيهِ.

حسن لغيره.

سفيان بن وكيع ضعيف؛ لكنه متابع، فقد أخرجه أبو نعيم، ومن طريقه الذهبي في “السير” (6/388) من طريق علي بن المديني عن سفيان به.

وهذا خلق كبير من أخلاق الكبار، ﻻ يتحلى به إلا الأولياء الصالحين، وإلا فجمهور الناس على سجية الانتقام، وقد يصل بأحدهم الحد إلى أن ينتقم لنفسه بغير حق.

فيحذر طالب العلم والداعي إلى الله من ذلك.

فائدة رقم : 177 : كراهية النوم على البطن

قال مُسَدَّدٌ ـ رحمه الله كما في “المطالب”( 2810 ) ـ:

حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ محمد بن سيرين ـ رحمه الله ـ :

أنه كان يَكْرَهُ أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ عَلَى بَطْنِهِ، وَالْمَرْأَةُ مُسْتَلْقِيَةً.

سنده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق في “المصنف” (19803)، ومن طريقه البيهقي في “الشعب”(4722)

عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين به.

وبالنسبة للنهي عن النوم على البطن فقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

وفي قوله: ( أنه كان يَكْرَهُ) ما يفيد أن عمل الصحابة كان على  كراهية ذلك.

فائدة رقم : 178 : تَعْظِيمُ النَّبِيّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَعْدَ مَوْتِهِ لازِمٌ كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ

قال القاضي عياض ـ رحمه الله في “الشفا”(2/ 44) ـ :

وَاعْلَمْ أَنَّ حُرْمَةَ النَّبِيّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَتَوْقِيرَهُ، وَتَعْظِيمَهُ، لازِمٌ كَمَا كَانَ حَالَ حَيَاتِهِ؛ وَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ـ وذكر حَدِيثِهِ وَسُنّتِهِ، وَسَمَاعِ اسْمِهِ وَسِيرَتِهِ.

فائدة رقم : 179 : كتب التخريج على الأحاديث المستدل بها في كتب المذاهب الأربعة

اعتنى علماء المذاهب الأربعة بالتصنيف الفقهي على ترجيحات أئمة مذاهبهم والاستدلال لهم بالأحاديث والآثار.

فعمد علماء الحديث إلى تلك الكتب الجامعة، فخرجوا أحاديثها، وجمعوا طرقها؛  فصارت تلك التخاريج من المصادر المهمة في خدمة السنة، وتنقيتها، وخدمة للاستدلال  لتلك المذاهب وغيرها.

  • ففي المذهب الحنفي كتاب : “الهداية”، للعلامة: علي بن أبي بكر الفرغاني الحنفي، (ت:593)، عمل عليه العلامة  الزيلعي تخريجًا نافعًا مشهور وهو: “نصب الراية”.
  • وفي المذهب المالكي من كتب المهمة : “بداية المجتهد”، لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (ت:595)، عمل عليها العلامة أحمد بن محمد بن الصديق الغماري تخريجًا سماه: “الهداية في تخريج أحاديث البداية”، وهو تخريج مختصر.
  • وفي المذهب الشافعي كتاب: “فتح العزيز في شرح الوجيز” لأبي القاسم الرافعي عبد الكريم بن محمد (ت:623)، فخرج أحاديثه جماعة من الشافعية أشهر تلك التخاريج وأشملها كتاب: “البدر المنير” للحافظ علي بن عمر بن الملقن (ت:804).

ثم مختصره للحافظ ابن حجر التلخيص الحبير .

قال الحافظ في مقدمته :

(أرجو أن يكون حاويًا لجل ما يستدل به الفقهاء في مصنفاتهم).

  • وفي المذهب الحنبلي كتاب: “التحقيق في مسائل الخلاف”، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت:597)، عمل عليه الحافظ الذهبي محمد بن عثمان( ت:748)، “تنقيح التحقيق”.

ثم عمل عليه الحافظ ابن عبد الهادي محمد بن أحمد (ت:744 )، كتابه أيضًا “تنقيح التحقيق”.

وبعده:

  • “منار السبيل في شرح الدليل” لابن ضويان إبراهيم بن محمد بن سالم (ت:1275)، عمل عليه العلامة الألباني كتابه الشهير “إرواء الغليل”.

وبهذه الجهود المتظافرة التي بعضها آخذ برقاب بعض تم تخريج جل الأحاديث في الأحكام الشرعية.

وهناك ولله الحمد غيرها وهي كثيرة ولكن ما ذكرته لك هو أشهرها وبالله التوفيق.

فائدة رقم : 180 : مِنْ بَرامج السلف في العمل

قال الذهبي ـ رحمه الله في “تاريخ الإسلام” (7/ 64)ـ :

(جعفر بن أحمد بن نصر، أبو محمد الحافظ النَّيْسابوريّ، المعروف بالحصيريّ ( المتوفى: 303 هـ )

… قال الحاكم: قال لي محمد بن أحمد السُّكّريّ سِبْط جعفر:

كان جدّي قد جزّأ الليل ثلاثة أجزاء، يصلي ثُلُثًا ، وينام ثُلُثًا، ويُصنّف ثُلُثًا.

وكان مرضه ثلاثة أيام، لَا يفترُ فيها عن قراءة القرآن).

وعلى هذا كان جماعة من السالفين، وفي هذا:

ما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم  والدعاة إلى الله يجمعون بين العلم، والعمل، والعبادة، والدعوة إلى الله، وهذه  الأمور ﻻ تتيسر إلا لمن وفقه الله وأعانه.

ومن لم يتيسر له ذلك يجتهد ويجاهد نفسه فمن استعان بالله أعانه، (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

فائدة رقم : 181 : لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ

قال معمر ـ رحمه الله في “جامعه” كما في آخر “مصنف” عبد الرزاق (20065) ـ:

عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ عُقْبَةَ ـ وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ ـ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ غُشِيَ عَلَيْهِ غَشْيَةً، ظَنُّوا أَنَّ نَفْسَهُ فِيهَا،

فَخَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ تَسْتَعِينُ بِمَا أُمِرَتْ أَنْ تَسْتَعِينَ بِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، فَلَمَّا أَفَاقَ،

قَالَ: (أَغُشِيَ عَلَيَّ؟)،

قَالُوا: نَعَمْ،

قَالَ: (صَدَقْتُمْ، إِنَّهُ أَتَانِي مَلَكَانِ فِي غَشْيَتِي هَذِهِ، فَقَالَا: أَلَا تَنْطَلِقُ فَنُحَاكِمَكَ إِلَى الْعَزِيزِ الْأَمِينِ؟، فَقَالَ مَلَكٌ آخَرُ: أَرْجِعَاهُ فَإِنَّ هَذَا مِمَّنْ كُتِبَتْ لَهُ السَّعَادَةُ، وَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَسَيُمَتِّعُ اللَّهُ بِهِ بَنِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ)،

قَالَ: فَعَاشَ شَهْرًا ثُمَّ مَاتَ.

سنده صحيح.

وهذا فيه من الفوائد:

  1. تسليم الصحابة حتى النساء لقدر الله.
  2. امتثال أدلة الشرع عند المصيبة،

وذلك في قوله: (فَخَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ تَسْتَعِينُ بِمَا أُمِرَتْ أَنْ تَسْتَعِينَ بِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)، إشارة إلى قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)[ البقرة: 45].

  1. بشارة عبدالرحمن بأنه من السعداء.
  2. تحديد الأجل فلا يمكن تأخير أجل أو تقديمه.
فائدة رقم : 182 : جواب سعيد بن جبير على الحجاج

قال ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف” (30546) ـ :

حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ: لَمَّا دَخَلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَلَى الْحَجَّاجِ قَالَ:

أَنْتَ الشَّقِيُّ بْنُ كُسَيْرٍ؟،

قَالَ: ( لَا، أَنَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ)،

قَالَ: إِنِّي قَاتِلُكَ،

قَالَ: (لَئِنْ قَتَلْتَنِي لَقَدْ أَصَابَتْ أُمِّي اسْمِي).

سنده صحيح عن عبدالملك.

وفيه من الفوائد:

  1. إظهار شدة الحجاج وجلافته.
  2. ثبات أهل العلم عند الشدة.
  3. تدوين العلماء لصنائع الحجاج.
فائدة رقم : 183 : كشف كرب بدعوة صدق

قال ابن أبي الدنيا ـ رحمه الله في “الفرج بعد الشدة” (59) ـ:

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: ثنا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بَلْجٍ الْفَزَارِيَّ، قَالَ:

أُتِيَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بِرَجُلٍ كَانَ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ إِنْ ظِفَرَ بِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَلَمَّا أُدْخِلَ عَلَيْهِ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ، فَقِيلَ لَهُ:

أَيُّ شَيْءٍ قُلْتَ؟

قَالَ: قُلْتُ: ( يَا عَزِيزُ، يَا حَمِيدُ، يَا ذَا الْعَرْشِ الْمَجِيدِ، اصْرِفْ عَنِّي شَرَّ كُلِّ جُبَارٍ عَنِيدٍ).

هذا أثر قوي، له طرق أخرى.

وفيه من الفوائد:

  1. ما كان عليه الحجاج من الشدة والظلم.
  2. أن كيد ابن آدم ضعيف أمام قدرة الله.
  3. أن كل شيء بقدر مهما بلغت قدرة المخلوق أن ﻻ يمكن إلا إذا شاء الله.
  4. اللجؤ إلى الله عند الشدائد.
  5. فعل الأسباب المشروعة لدفع الظلم.
  6. الفرج بعد الشدة.
فائدة رقم : 184 : : سَبْحَةُ الْحَدِيثِ

قال ابن أبي شيبة ـ رحمه الله في “المصنف”(29433) ـ:

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ:

( إِنَّ مِنْ خَيْرِ الْعَمَلِ سَبْحَةَ الْحَدِيثِ)،

قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ ‍ وَمَا سَبْحَةُ الْحَدِيثِ؟،

قَالَ: (يُسَبِّحُ الرَّجُلُ وَالْقَوْمُ يُحَدِّثُونَ).

سنده صحيح.

والجريري هو سعيد بن إياس  ثقة، اختلط، ويزيد مختلف في سماعه من الجريري، أكان قبل الاختلاط أم بعد،

والأقرب أنه سماعه قبل كما فصلته في (تقريب شرح العلل).

ويستفاد من هذا الأثر ما ينبغي أن يكون عليه طالب العلم والعالم من الشغلة بالطاعة.

وهذه الصفة أشهر من عرف بها في هذا الزمان هو: الإمام ابن باز ـ رحمه الله ـ فقد ذكر بعض من ترجم له أنه كان إذا انتظر على الهاتف يسبح حتى يرد عليه ـ رحمه الله ـ.

فائدة رقم : 185 : الرئاسة على الحقيقة

أسند  ابن الجوزي في “تعظيم الفتيا” (ص:132): عن يزيد بن هارون أنه قال:

(من طلب الرئاسة في غير أوانها حرمه الله إياها في أوانها)،

ثم قال :

( وليعلم المؤمن أن الرئاسة على الحقيقة هي تقوى الله عز وجل. وقد قيل للإمام أحمد : إن معروفًا الكرخي قليل العلم،  فقال : وهل يراد العلم إلا لما وصل إليه معروف).

نسأل الله التوفيق والسداد.

فائدة رقم : 186 : فائدة عزيزة عن العلامة الشوكاني رحمه الله في الإجماع على صحة الصحيحين وتطبيق ذلك على أفراد أحاديثه.

معلوم إجماع أهل العلم على صحة الصحيحين فقد نقله جمع من الحفاظ السابقين، لكن قرر ذلك العلامة الشوكاني مع تطبيق العمل بذلك على حديث: (من عادى لي وليا …)، وجعل ذلك الإجماع مسحوبًا أيضًا على رجال الصحيحين، فقال ـ رحمه الله في كتاب ” قطر الولي على حديث الولي “:

( وَلَا حَاجَة لنا فِي الْكَلَام على رجال إِسْنَاده، فقد أجمع أهل هَذَا الشَّأْن أَن أَحَادِيث الصَّحِيحَيْنِ، أَو أَحدهمَا كلهَا من الْمَعْلُوم صدقه المتلقى بِالْقبُولِ الْمجمع على ثُبُوته. وَعند هَذِه الإجماعات تنْدَفع كل شُبْهَة، وَيَزُول كل تشكيك.

وَقد دفع أكَابِر الْأَئِمَّة من تعرض للْكَلَام على شَيْء مِمَّا فيهمَا، وردوه أبلغ رد، وبينوا صِحَّته أكمل بَيَان.

فَالْكَلَام على إِسْنَاده بعد هَذَا، لَا يَأْتِي بفائدة يعْتد بهَا. فَكل رُوَاته قد جازوا القنطرة، وارتفع عَنْهُم القيل والقال، وصاروا أكبر من أَن يتَكَلَّم فيهم بِكَلَام، أَو يتناولهم طعن طَاعن، أَو توهين موهن).

فائدة رقم : 187 : هل من شرط الولي أن يكونَ عالمًا

قال الله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [ يونس: 62- 63].

قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله في (شرح مقدمة المجموع) (ص:71) ـ:

(على كل حال فالقرآن صرح وبين من هم أولياء الله، وقال : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وكونهم مؤمنين متقين لا بد أن يسبق ذلك: العلم إذ لا يمكن أن يتقي الإنسان ما لا يعلمه).

أقول :

وهذا والله أعلم أنه ﻻ يشترط أن يكونَ عالمًا ، ولكن يكن عنده : العلم الذي ﻻ يسع المسلم جهله؛ بحيث يتقي المنهيات ويقيم العمل بالمأمورات.

فائدة رقم : 188 : أفضل البلاد في حق كل شخص

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله في رسالته (مسألة في المرابطة بالثغور أفضل أم المجاورة بمكة شرفها الله تعالى) (ص: 30) ـ  :

( وحينئذ فمن كانت مجاورته فيما يكثر حسناته ويقل سيئاته فمجاورته فيها أفضل من بلد لا يكون حاله فيه كذلك.

فأفضل البلاد في حق كل شخص: حيث كان أبر وأتقى، وإن أكرم الخلق عند الله أتقاهم ).

فائدة رقم : 189 : من منهج الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في الفتوى

قال ـ رحمه الله في “فتاوى نور على الدرب” (158/10)ـ:

( وأنا لا أجيب عن مسألة انتهت بواسطة أحد من أهل العلم؛ لأنها فتوى أو حكم انتهى أمده، وإنما يسأل عن المسائل التي لم يتقدم فيها فتوى أو حكم، وأنا لا أحب لأحد أن يكونَ وقّافًا عند باب كل عالم يسأله عما حصل أو عما جرى عليه ولو كان قد استفتى عنه؛ لأنه يحصل بذلك بلبلة وتشتيت لفكره وشك في أمره، وإنما عليه إذا أراد أن يستفتي أو يتحاكم إلى أحد أن يختار من يرى أنه أقرب إلى الحق من غيره لعلمه وأمانته وصلاحه ويكتفي بما يفتيه به أو يحكم به ).

قلتُ:

هذا أمر ينبغي للمفتي أن يراعيه إذا صدرت الفتوى قبله من جهة معتبرة.

فائدة رقم : 190 : ينبغي للمفتي مراجعة المسائل قبل كتابة الفتوى

قال الرهوني ـ رحمه الله في (حاشيته على مختصر خليل)( 3/251)ـ:

(والواجب على من ابتلي بالفتوى أن يسهر ليله في المطالعة. ويقطع نهاره في المذاكرة والمراجعة وأن يتثبت التثبت التام. ولا يميل إلى المسارعة.

وكان الشيخ محمد بن عبد االقادر الفاسي ـ رحمه الله ـ يقول: إني لأسأل عن المسألة وإنا أعرف في أي كتاب هي، وفي أي ورقة منه، وفي أي جهة من الورقة، ومع ذلك فلا أكتب حتى أراجعها).

نقله صاحب كتاب ( الخزائن السنية) (ص:194).

فائدة رقم : 191 : العلم ﻻ يورث كإرث المال

قال الحافظ أبو الحسين الطيوري في الطيوريات(73 ):

 أخبرنا أحمد، حدثنا ابن شاهين، حدثنا عبدالله، حدثني هارون بن موسى الفَرَويّ، حدثني أبي قال: ( كُنَّا نَجْلِسُ عِنْدَ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَابْنُهُ يَحْيَى يَدْخُلُ وَيَخْرُجُ وَلاَ يَجْلِسُ فَيُقْبِلُ عَلَيْنَا مَالِكٌ فَيَقُوْلُ: “إِنَّ مِمَّا يُهَوِّنُ عَلَيَّ أَنَّ هذَا الشَّأْنَ لاَ يُوْرَثُ وَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يَخْلُفْ أَبَاهُ فِيْ مَجْلِسِه إِلاَّ عَبْدَالرَّحْمنِ بْنَ الْقَاسِمِ” ).

صحيح عن موسى الفروي .

جميع رجاله ثقات.

وأحمد هو العتيقي.

وابن شاهين هو أبو حفص عمر.

وعبدالله هو ابن محمد البغوي.

وموسى حاكي الأثر مجهول حال.

وهذا سنة الله، فقل مِن العلماء مَن يكون ولده عالمًا، وفي هذا الزمان لربما كان الولد منهومًا بمواقعة المعاصي؛ مضيعًا نفسه فضلًا عن الاستقامة فحسب،

ولكن على الوالدين :

  • بالدعاء والرغبة إلى الله في صلاح الأولاد،

  • والسعي الحثيث فيما يؤهلهم للاستقامة،

  • وهكذا المواصلة في النصح والتعليم وعدم اليأس،

  • وحسن الظن بالله أن يصلح الأولاد ويجعلهم خلفًا صالحًا.

فائدة رقم : 192 : قاعدة في الذنوب

قال النسائي ـ رحمه الله في مجلس من أماليه (4)ـ:

حَدثنَا عبيد الله بن سعيد قَالَ سَمِعت سُفْيَان ( الثوري) يَقُول:

كل ذَنْب جعلت فِيهِ كَفَّارَة فَهُوَ من أيسر الذُّنُوب، وكل ذَنْب لم يَجْعَل فِيهِ الْكَفَّارَة فَهُوَ أَشد الذُّنُوب.

 وَالْكذب لم يَجْعَل فِيهِ كَفَّارَة من عظمه.

سنده صحيح.

فائدة رقم : 193 : وصية عيينة لولده سفيان

قال البيهقي ـ رحمه الله (194) ـ :

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري، حدثنا محمد بن المنذر الهروي، حدثنا طاهر بن الفضل بن سعيد الحلبي قال : سمعت سفيان بن عيينة يقول :

( لما بلغت خمس عشرة سنة قال لي أبي : ( يا بني

  • قد انقطعت عنك شرائع الصبي فاختلط بالخير تكن من أهله،

  • ولا تزايله فتبين منه،

  • ولا يغرنك من مدحك بما تعلم أنت خلافه منك؛ فإنه ما من أحد يقول في أحد من الخير ما لم يعلم منه إلا قال فيه عند سخطه عليه من الشر على قدر ما مدحه،

  • واستأنس بالوحدة من جلساء السوء، ولا تنقل أحسن ظني بك إلى أسوأ ظني بمن هو دونك،

  • فاعلم أنه لن يسعد بالعلماء إلا من أطاعهم ؛ فأطعهم تسعد ، واخدمهم تقتبس من علمهم).

قال سفيان : فجعلت وصية أبي قبلة أميل إليها، ولا أميل معها، ولا أعدل عنها).

كلمات جزيلة ونصائح ذهبية.

ورجال السند ﻻ بأس بهم غير طاهر بن الفضل الحلبي ناقلها عن سفيان قال ابن حبان:

يضع الحديث على الثقات وضعًا، ويقلب الأسانيد، يلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، ﻻ تحل كتابة حديثه إلا على جهة التعجب.

فائدة رقم : 194 : قول عبدالملك: هذا آخر العهد بك

 قال أبو الحسين ـ رحمه الله في “الطيوريات” (181) ـ: 

أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ، حَدَّثَنَا عُثمان بْنُ محمد الأَدَميّ، حدثنا ابن دُرَيد، حدثنا عبد الأول بن مزيَد، عن ابن عائشة قال: (أَفْضَى الأمرُ إلى عبدِ المَلِك والمصحَفُ في يدِهِ يقرَأُ فأَطْبَقَه وقال: هذا آخرُ العهدِ بِكَ ).

هذه الحكاية ضعيفة ﻻ تثبت

أخرجها أيضا الخطيب في “تاريخ بغداد “(10/390) من طريق أحمد وهو العتيقي به.

وهذا سند ضعيف لحال ابن دريد وشيخه مجهول وابن عائشة لعله عبيد الله بن محمد وهو متأخر من العاشرة لم يدرك عهد عبد الملك.

 وأخرجه الخطيب أيضًا من وجه آخر ﻻ يثبت.

وفيه نكارة فيبعد ترك المصحف في حق من يوليه الله أمر المسلمين في زمن من خير القرون.

تنبيه ( من أحد الطلاب ):

وقع في المصدر المذكور  عبد الأول بن مزيَد – كذا – بزاي ومثناة تحتية مفتوحة ، وهو تصحيف.

وصوابه :  ابن مُرَيد – بضم أوله وفتح الراء المهملة بعدها مثناة تحتية ساكنة، كما في:

  • المؤتلف والمختلف للدارقطني،

  • وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين،

  • وتبصير المنتبه لابن حجر . اهـ المراد

فائدة رقم : 195 : إكرام العلماء سنة درج عليها المسلمون

قال ابن عبد الهادي ـ رحمه الله في “العقود الدرية” (ص:429) نقلًا عن بعض العلماء ـ:

( الذي عهده المسلمون،  وتعوده المؤمنون، من المراحم الكريمة، والعواطف الرحيمة: إكرام أهل الدين، وإعظام علماء المسلمين). يعني: علماء السنة والاتباع.

وهذا إجماع منضبط، نطق بذلك جمع من أهل العلم جيلًا بعد جيل ورعيلًا بعد رعيل وأقره الناس، وعليه عمل المسلمين.

وقامت شرذمة من الناس فجعلوا ديدنهم النيل من أهل العلم وحملة الشريعة المبلغين عن الله دينه، والوارثين من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ورثه من السنة.

فأعقبهم الله ذلًا، وأنالهم خزيًا، وشتاتًا، وبغضًا في قلوب أوليائه، وصالح عباده.

وهذه سنة الله في هذا الصنف، كما هي سنته في حفظ مكانة أهل العلم من أهل السنة، وجعل العاقبة لهم.

فائدة رقم : 196 : فائدة هامة في حكم رواية العدل عن غيره

هذه المسألة مهمة من المسائل العملية في علم الحديث والخلاصة في هذه المسألة حسب علمي :

أن رواية العدل عن غيره تنقسم من حيث النظر إلى انتقاء الثقة وعدمه إلى قسمين:

القسم الأول:  رواية عدل غير منتقي عن غيره، وهذا لأهل العلم فيه قولان:

الأول : أنه يعتبر تعديلًا له وهذا قول بعض الشافعية وبعض الحنفية.

الثاني: ﻻ يعتبر تعديلًا له وهذا هو قول جمهور أهل العلم من المحدثين، وهو الصحيح.

القسم الثاني: رواية الثقة المنتقي المتحري الذي لا يروي  إلا عن ثقة، ولأهل العلم في  هذا  قولان

أحدهما: أنه ﻻ يعتبر تعديلًا مطلقًا، وإنما يكون أمرًا أغلبيًا

ثانيهما: أنه يعتبر تعديلًا له، وهذا عليه عمل جمهور المحدثين والأصوليين والفقهاء، وهو الصحيح، وهو اختيار العلامة الألباني من المعاصرين .

إشكال :

فإن قيل:  ما من أحد من المنتقين إلا وقد روى عن الضعفاء ولو على وجه الندرة!!

فالجواب:

أن مشايخ المنتقين لهم ثلاث مراتب:

المرتبة الأولى: ثقات منصوص على توثيقهم أو الراجح توثيقهم، فرواية المنتقي مضافة إلى جانب التوثيق.

المرتبة الثانية: من ليس فيه جرح ولا تعديل، فرواية الثقة المنتقي عنه تعتبر تعديلًا له عنده، وعليه يعتمد.

المرتبة الثالثة: من عرف بالجرح، فهذا تعد رواية المنتقي عنه في جانب التوثيق، ثم يجمع بين الأقوال المذكورة في ذلك الراوي ويخرج الباحث  بعد ذلك بحكم عام.

وهذا ﻻ إشكال فيه فمعلوم خلاف أهل العلم في كثير من الرواة تنصيصًا، فهذا يوثق وهذا يجرح، ويجمع بين تلك الأقوال، فهذه المرتبة يتعامل معها على حسب الضوابط في ذلك.

فائدة رقم : 197 : من منهج السلف الدعاء للعلماء ومن ذلك الدعاء ببقاء حياتهم

قَالَ ابنُ أبي مريم ـ رحمه الله ـ:

( ذُكِر مالكُ بن أنس عند اللَّيث ابن سَعْد في المسجِدِ الجامِعِ، فقالَ اللَّيْثُ: واللهِ، إِنِّيْ لَأَدْعُو لمالٍك في صلاتي بأن يُبقيَه الله، وذَكَر مِنْ حاجَةِ النَّاسِ إلَيْه).

أخرجه أبو الحسين الطيوري في “الطيوريات”( 295).

وسنده صحيح.

وقد كان ابن مهدي يدعو للشافعي في صلاته، وهكذا أحمد وغيرهم من أهل العلم، وذلك لما في بقائهم من الخير والنفع للمسلمين.

وهذا هو خلق العالم الذي نفعه الله بعلمه، أما من لم ينتفع بعلمه بعكس ذلك فإنه يفرح بموت أهل العلم فضلًا عن الدعاء ببقائهم بين المسلمين.

قال الحافظ الآجري ـ رحمه الله في كتاب “أخلاق العلماء”(ص:157)، وهو يذكر أخلاق المفتتن بعلمه ـ:

( إِنْ مَاتَ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ سَرَّهُ مَوْتُهُ، لِيَحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِ ).

عياذًا بالله من هذه الأخلاق والنوايا، ونسأله صلاح الحال والطوايا.

فائدة رقم : 198 : حب الصحابة من أسباب النجاة

عن عبد الصمد بن يزيد مَرْدويَه قال: سمعت الفضيل بن عياض يقول: قال ابن المبارك: ( خَصْلَتانِ مَنْ كَانَتْ فِيه؛ الصِّدْقُ، وحُبُّ أصحابِ محمَّدٍ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فَأَرْجُو أَنْ ينجُوَ إِنْ سَلِم ).

أخرجه أبو الحسين الطيوري في “الطيوريات” (274).

بسند صحيح.

فائدة رقم : 199: ذروة الحفاظ وطبقاتهم

قال الذهبي  ـ رحمه الله في “الموقظة” (ص:  ) ـ :

والحُفَّاظُ طبقات:

  1. في ذِرْوَتِها: أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ.

  2. وفي التابعين كـ : ابنِ المسيَّب.

  3. وفي صِغارِهم كـ: الزُّهريّ.

  4. وفي أتباعِهم كـ: سفيان، وشعبة، ومالك. ثم :

  5. ابن المبارك، ويحيى بن سعيد، ووكيع، وابن مهدي. ثم:

  6. كأصحابِ هؤلاء، كـ: ابن المَدِيني، وابن مَعِين، وأحمد، وإسحاق، وخَلْق. ثم:

  7. البخاريّ، وأبي زُرْعَة، وأبي حاتم، وأبي داود، ومُسْلِم. ثم:

  8. النَّسائيّ، وموسى بن هارون، وصالح جَزَرَة، وابن خُزَيمة. ثم:

  9. ابن الشَّرْقي. ومِمَّن يُوصَفُ بالحفظ والإتقانِ، جماعةٌ من الصحابة والتابعين. ثم:

  10. عُبَيد الله بن عمر، وابن عَوْن، ومِسْعَر. ثم:

  11. زائدة، واللَّيث، وحمَّاد بن زيد. ثم:

  12. يزيد بن هارون، وأبو أسامة، وابن وهب. ثم:

  13. أبو خيثمة، وأبو بكر بن أبي شيبة، وابن نُمَير، وأحمد بن صالح. ثم:

  14. عَبَّاس الدُّوْرِي، وابن وارَهْ، والترمذيّ، وأحمد بن أبي خَيْثَمة، وعبد الله بن أحمد. ثم:

  15. ابنُ صاعِد، وابن زياد النيسابوريّ، وابن جَوْصَا، وابن الأَخْرَم. ثم:

  16. أبو بكر الإسماعيليّ، وابن عَدِيّ، وأبو أحمد الحاكم. ثم:

  17. ابن مَنْدَه، ونحوه. ثم:

  18. الَبرْقَانيّ، وأبو حازم العَبْدَوِيّ. ثم:

  19. البيهقيّ، وابن عبد البَرّ. ثم:

  20. الحُمَيديّ، وابن طَاهِر. ثم:

  21. السِّلَفِيّ، وابن السَّمْعاني. ثم:

  22. عبد القادر، والحازميّ. ثم:

  23. الحافظ الضياء، وابن سيّد الناس خطيب تونس. ثم:

  24. حفيده حافظ وقتِه أبو الفتح.

ومِمَّن تقدَّم من الحفاظِ في الطبقةِ الثالثة: عَدَدٌ من الصحابةِ وخلقٌ من التابعين وتابعيهم، وهلُمَّ جراً إلى اليوم.

قلتُ :

هؤلاء هم رؤوس حفاظ السنة الذين اختارهم الله لحفظها ونقلها ونشرها ، فاحفظهم كما حفظوا سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

واعرف ترجمهم الزاخرة بالخير رعاك الله.

وتأسيس بهم في الخير فإنهم من صفوة الله.

فائدة رقم : 200 : إنا فيناك المستهزئين

قال الحافظ الذهبي ـ رحمه الله في “معجم الشيوخ: (ترجمة رقم: 558) ـ:

حَدَّثَنَا الزَّيْنُ عَلِيُّ بْنُ مَرْزُوقٍ، بِحَضْرَةِ شَيْخِنَا تَقِيِّ الدِّينِ الْمِنْصَاتِيِّ، سَمِعْتُ الشَّيْخَ جَمَالَ الدِّينِ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ الطَّيْبِيَّ ابْنَ الْوَاصِلِيِّ يَقُولُ فِي مَلإٍ مِنَ النَّاسِ: حَضَرْتُ عِنْدَ سونجق خزندار هُولاكُو وَأَبَغَا، وَكَانَ مِمَّنْ تَنَصَّرَ مِنَ الْمَغُولِ، وَذَلِكَ فِي دَوْلَةِ أَبَغَا فِي أَوَّلِهَا، وَكُنَّا فِي مُخَيَّمِهِ، وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أُمَرَاءِ الْمَغُولِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ النَّصَارَى فِي يَوْمِ ثَلْجٍ، فَقَالَ نَصْرَانِيٌّ كَبِيرٌ لَعِينٌ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ مُحَمَّدٌ؟ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ كَانَ رَاعِيًا، وَقَامَ فِي نَاسٍ عَرَبٍ جِيَاعٍ فَبَقِيَ يُعْطِيهِمُ الْمَالَ وَيَزْهَدُ فِيهِ فَيَرْبُطُهُمْ، وَأَخَذَ يُبَالِغُ فِي تَنَقُّصِ الرَّسُولِ، وَهُنَاكَ كَلْبُ صَيْدٍ عَزِيزٌ عَلَى سونجق فِي سِلْسِلَةِ ذَهَبٍ فَنَهَضَ الْكَلْبُ، وَقَلَعَ السِّلْسِلَةَ وَوَثَبَ عَلَى ذَاكَ النَّصْرَانِيِّ فَخَمَشَهُ وَأَدْمَاهُ، فَقَامُوا إِلَيْهِ فَقَامُوا إِلَيْهِ، وَكَفُّوهُ عَنْهُ وَسَلْسَلُوهُ، فَقَالَ بَعْضُ الْحَاضِرِينَ: هَذَا لِكَلامِكَ فِي مُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، فَقَالَ: أَتَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا مِنْ أَجْلِ كَلامِي فِي مُحَمَّدٍ؟ لا، وَلَكِنَّ هَذَا كَلْبٌ عَزِيزُ النَّفْسِ رَآنِي أُشِيرُ بِيَدِي فَظَنَّ أَنِّي أُرِيدُ ضَرْبَهُ فَوَثَبَ، ثُمَّ أَخَذَ أَيْضًا يَتَنَقَّصُ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَيَزِيدُ فِي ذَلِكَ فَوَثَبَ إِلَيْهِ الْكَلْبُ، ثَانِيًا وَقَطَعَ السِّلْسِلَةَ وَافْتَرَسَهُ، وَاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَأَنَا أَنْظُرُ ثُمَّ عَضَّ عَلَى زَرْدَمَتِهِ فَاقْتَلَعَهَا فَمَاتَ الْمَلْعُونُ.

وَأَسْلَمَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ الْعَظِيمَةِ مِنَ الْمَغُولِ نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا وَاشْتَهَرَتِ الْوَاقِعَةُ.

سنده صحيح عن حاكيها:

شيخ الذهبي وصفه: بأنه ثقة، عالم